أصل هذا المقال كتب للنشر في مجلة الملتقى الطبي التي تصدرها الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. الهدف الرئيسي منه مخاطبة الأطباء والصيادلة وكبار المسؤولين في القطاع الصحي حول موضوع المقال. لأن الموضوع يهم أيضا ً أقارب المرضى المسنين الذين تقع عليهم مهمات تنظيم الجرعات الدوائية لكبارهم، وهم الذين يتعاملون يوميا ً مع المرضى من كبار الأسرة ويعانون معهم، لذلك رأيت أن أشارك القارئ العادي في الاطلاع على هذه المشكلة، التي أعتبرها في غاية الأهمية من الناحية الصحية. انطلاقاً من هذه المشاركة أتوخى من أقارب المريض المسن الذي يتناول كمية ً غير معقولة من الأدوية حسب وصفات طبية مأذونة، أن يدخل مع الطبيب المعالج في مساجلة هادئة حول الأضرار المحتملة لكثرة الأدوية التي يتناولها قريبه المسن.
يتكرر في العيادات الطبية حضور مرضى مسنين من الجنسين يحملون معهم، أو بالأحرى يحمل لهم مرافقهم كيسا كبيرا ممتلئا بالأدوية. يشتكي المرضى في مثل هذه الحالات من عدة أعراض يتركز أغلبها حول الاضطرابات الهضمية متعددة الأنواع، لكنهم يشتكون أيضا من الدوار، الصداع، الشعور بالاختناق، الشهاق، آلام العضلات والمفاصل، الضجيج في الجمجمة والطنين في الأذنين، الأرق، مرارة الريق ونشوف الفم والبلعوم وغير ذلك. عندما يستعرض الطبيب المعاين أعداد وأنواع الأدوية التي يتناولها المريض المسن، كثيرا ما يكتشف أنها قد تصل إلى عشرة أنواع وقد تزيد، وعندما يحسب عدد الأقراص والمغلفات التي قد تكون في المتوسط قرصين يوميا من كل دواء، يخرج بما يزيد عن عشرين قرصا / مغلفا في اليوم الواحد.
أغلب المرضى المسنين الذين يحضرون للعيادات الخاصة يأتون من أحد المستشفيات الكبرى، مثل المستشفيات العسكرية وفيصل التخصصي وخالد الجامعي وهكذا.
على سبيل المثال المتكرر: يتناول المريض قرص أسبرين وقرص بلافيكس وقرصا أو قرصين مدر للبول وقرصا مخفضا للدهون وثلاثة أنواع من مخفضات ومنظمات السكر (قد يصل عددها لوحدها إلى ستة أقراص)، ونوعين من مخفضات ضغط الدم وقرصا أو قرصين كالسيوم وقرص فيتامين د وقرص فيتامين مركب وقرصا من موسعات الشرايين التاجية ومغلفا من مثبطات حامض المعدة. عليك أيها القارئ أن تحصي عدد الأقراص التي من المحتمل أن يبتلعها يوميا مريض في سن السبعين أو الثمانين عاما بطلب من طبيبه أو أطبائه في أحد المستشفيات، وسوف تصاب أنت بالدوار والغثيان والصداع والضيق لمجرد التخيل أن كل هذه الأدوية سوف تبتلعها أنت في يوم واحد.
أرجو ألا يظن في الموضوع مبالغة، وعلى من يظن ذلك أن يطلب مراجعة، لنقل، مائة ملف طبي لكبار السن في بعض المستشفيات الكبرى، وسوف يتحقق من صحة ذلك.
أين المشكلة بالضبط؟. المشكلة ليست واحدة وإنما متلازمة مشاكل متداخلة.
1 - المريض الواحد يعاني من عدة مشاكل استقلابية، هي السمنة وارتفاع نسبة الدهون والسكري وضغط الدم وهشاشة العظام وتيبس المفاصل وضيق الشرايين والإمساك. كل هذه المشاكل تعود في أغلب الحالات لسبب واحد هي السمنة نتيجة لأسلوب المعيشة الخاطئ وقلة المشي أو المساعدة عليه وعدم التعرض للشمس.
2 - المريض الواحد يمرر في كل مراجعة على طبيب مختلف عن زميله السابق، وهذا يتكرر في عدة تخصصات ويترتب على ذلك إضافات علاجية دون حذف شيء يذكر من الأدوية السابقة، أحيانا مراعاة لحقوق الزمالة المهنية.
3 - لا توجد لجنة لمراقبة الجودة النوعية بالمفهوم الصيدلاني في مستشفياتنا، لأن الصيدلاني المتخصص لا يمتلك التخويل بلفت نظر الطبيب إلى ما قد يرتكبه من أخطاء نتيجة جهله الجزئي باختلاطات الأدوية المختلفة وبقدرات تحمل المريض المسن للتنوع الكبير فيها وحدود الجرعات المسموح بها في كل حالة على حدة.
4 - لا يوجد ضبط إحصائي واقتصادي للوارد والصادر لكل مريض على حدة من الأدوية والمستحضرات الطبية بناء على دراسة مسبقة للحاجات المتوقعة خلال شهر أو فصل أو سنة.
5 - لاتوجد متابعة مرنة للمريض خارج المؤسسة الطبية التي تصرف له الأدوية، ولذلك يضطر المريض عند المعاناة لمراجعة أطباء من خارج مؤسسته الطبية، وأيسرها القطاع الصحي الخاص.
لا أعتقد أنني استطعت حصر كل المآخذ المسؤولة عن التسميم غير المتعمدة للمسنين بالأدوية، لأن الموضوع واسع وشائك وغير ملتفت إليه. آمل بهذه المقالة أن أثير بعض التساؤلات عند كبار المسؤولين في القطاع الصحي للاهتمام بالموضوع.