ترفض الدولة السعودية عن قناعة دينية ووطنية وقومية، لعب دور شاهد الزور في مجلس الأمن، واتخذت خطوات رائدة في هذا الاتجاه، تنبئ بنفس مقاوم للتلاعب بخارطة ومستقبل المنطقة العربية، وقدمت بكفاءة مقنعة المبررات الأخلاقية للرفض وعن تقصير مجلس الأمن، خصوصاً تجاه مشاكل العرب والمسلمين. انطلاقاً من هذا الانطباع المبرر عن مجلس الأمن تخلت السعودية عن مقعدها فيه بعد أن استحقته بأغلبية واضحة.
هذا الموقف، على الرغم من استناده على أسباب عادلة لا يمكن دحضها، إلا أنه وباحتمال شبه مؤكد سوف يعرضها لمضايقات أمريكية وروسية وإسرائيلية وإيرانية، قد تصل إلى حد التحرش بأمنها الوطني.
إزاء هذا الاحتمال سوف يفرض موقف السعودية عليها استحقاقات التحسب واليقظة والاستعداد. يقع داخل هذه الاستحقاقات الوصول إلى أعلى مستويات الولاء الوطني والالتفاف الجماهيري، ليس بالشعارات وشحذ الهمم، وإنما بتوفير الشروط المتوجبة على الدولة الوطنية تجاه مواطنيها وحدودها وإرثها التاريخي، وهي شروط معروفة بدون نقاش في التفاصيل، وتجاهلها يصب في مصلحة العابثين بمصائر الدول والأمم.
بالإضافة إلى استكمال الاستحقاق الوطني الداخلي، سوف يتوجب على الدولة السعودية الدخول بعيون مفتوحة في تكتل تكاملي، اقتصادي وسياسي وثقافي وعسكري، مع الدول التي يتهددها نفس المصير، وهي دول مجلس التعاون ذات الرؤية الواضحة، والأردن واليمن، وبنفس الأهمية والضرورة التكامل مع مصر وتركيا.
التحسب للمستقبل بهذا القدر من التشاؤم واليقظة يوجبه ما تعيشه المنطقة العربية من عبث بهويتها ومواطنيها ومدنها التاريخية وبناها التحتية، لصالح تكتل مصلحي بدأ يطل برأسه ويضم روسيا وأمريكا وإسرائيل وإيران.
أعتقد أن الدولة السعودية بدأت تتوجس من هذا المحور التصالحي الجديد بعد أن أصبحت ملامح أهدافه واقعاً في العراق والسودان وليبيا وسوريا، بالإضافة إلى محاولة تفتيت الدولة المصرية بسلاح العقائد والأيديولوجيات الدينية المتصالحة مع الغرب والصهيونية ودولة ولاية الفقيه - المرشد الأعلى.
الرياح التي بدأت تهب من محور الاتفاق الروسي الأمريكي الإيراني الإسرائيلي على مستقبل المنطقة العربية، من الممكن، بل ومن المفترض تحليلها داخل مفهوم الانتماء الحضاري التاريخي المشترك أو الفصيلة الحضارية التاريخية المشتركة، التي تبعث اليوم من جديد بين روسيا والغرب وإيران بعد أن اعتقد المؤرخون أنها قد طوتها أحداث العداوات.
بمفهوم الانتماء لنفس الفصيلة، أو الجذور الحضارية المشتركة، تعتبر روسيا وأمريكا جزءًا من الحضارة الأوروبية. روسيا لها توابع بالقوة الجبرية من خارج انتمائها الحضاري، معظمها دول إسلامية، لكن المجرى الكبير الذي يصب فيه الانتماء الحضاري الروسي أوروبي المواصفات، ديانة ومفاهيم وجغرافيا. أمريكا الشمالية بما في ذلك كندا تتعايش فيها إثنيات وديانات متنوعة، لكن الطابع الحضاري الغالب، ديانة ومفاهيم ولغة، أوروبي كذلك. التكملة في الحلقة القادمة.