مِثل رواية بوليسية!

قصة وفاة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات تشبه القصص البوليسية الخيالية، ولابد أنها ستحفز الكثير من كُتّاب الروايات البوليسية على كتابة روايات يتفنون فيها في تخيل كيف تم دس السم لعرفات وما هي الجهة التي خططت لذلك والأشخاص الذين نفذوا الخطة.

ومثلما أن مقتل الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي ظل لغزاً كبيراً حتى الآن، سيكون اغتيال عرفات لغزاً مغلقاً لن يعرف سره إلا قليلون. وقد صدرت مئات الكتب التي تطرقت لمقتل كيندي، وكان هناك مَنْ يرى أن الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو كان العقل المدبر لاغتيال كيندي، وآخرون يرون أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA هي التي قتلت كيندي، ونظريات أخرى تتوالد منذ اغتيال كيندي حتى اليوم.

تسميم عرفات والتخلص منه على النحو الذي جرى فتح المجال للتكهن بمن يكون القاتل منذ أن كان الأمر مجرد شبهة صغيرة، حتى جاءت الأنباء أخيراً لتؤكد أن الرجل مات مسموماً بالبولونيوم المشع، حسب أرملته. وكل الملابسات التي صاحبت وفاة عرفات تذكر بملابسات مقتل كيندي ولا أتصور أن القاتل الحقيقي سيُكشف قبل سنوات طويلة جداً وربما لن يُكشف أبداً!

مهما كان رأيك في سياسات عرفات وما انتهت إليه، فالأقرب إلى الظن أنك ستحزن من أجله. هذا الرجل الذي كان يتمتع في بداية مشواره المهني بعمل مريح في الكويت وباستقرار مادي وحياة آمنة، ترك ذلك كله وامتشق السلاح مناضلاً لاستعادة فلسطين. ومع السنين، توالت الانتكاسات وغرق العالم العربي في خلافاته وحروبه وكوارثه التي جرفت معها عرفات فراح يتخلى عن أحلامه واحداً بعد الآخر إلى أن انتهى به الأمر إلى توقيع اتفاقية أوسلو المخادعة والوقوع في الفخ! وعندما حاول من مقره المحاصر في رام الله أن يستدرك بعض ما وقع فيه وجد أنه قد فقد كل أوراقه وصار مجرد شخص مزعج ليس لإسرائيل فقط بل للجميع، فجاء قرار التخلص منه.

أعتقد أن هذه الملابسات هي التي قتلت عرفات لأن اختفاءه في تلك المرحلة كان ضرورة من وجهة نظر أشخاص كثيرين، ولذلك تم تسميمه والتخلص منه. ومن الصعوبة أن يتصور المرء أن بإمكان شخص واحد أن يتسلل إلى عرفات في مكمنه دون ترتيبات هائلة تشبه الخيال ويدس له السم. ولذلك هي عملية كبيرة، مثلما حدث لكيندي، وقد لا يتم تفكيك ألغازها مطلقاً.

رحم الله عرفات الذي شغل الناس حياً وميتاً.