إنقاذ حياة الناس وتقديم فرصة جديدة لمن يواجهون الموت بسبب الإصابة بأمراض لا شفاء منها، إلا بزراعة الأعضاء هي الوظيفة النبيلة التي يتصدى لها المركز السعودي لزراعة الأعضاء. وقد تحدث مدير عام المركز الدكتور فيصل شاهين مؤخراً في مدينة الخبر بديوانية الأطباء بمنزل الأستاذ عبد العزيز التركي رئيس جمعية تنشيط التبرع بالأعضاء بالمنطقة الشرقية «إيثار» عن الصعوبات التي يواجهها المركز.
لم أحضر اللقاء، لكنني قرأت ما نشرته الصحف عنه، ولم أتفاجأ بما ذكره الدكتور فيصل شاهين فقد كنت دائماً من المتابعين لموضوع زراعة الأعضاء الذي تفاوتت الفتاوى بشأنه بين التحليل والتحريم في بدايات تقديمه كفكرة إلى المجتمع قبل عدة عقود.
لحسن الحظ، لم تعد هناك في الوقت الحاضر تحفظات دينية بشأن زراعة الأعضاء، فقد فرض الأمر نفسه، ومثل كل المستجدات التي شهدها المجتمع تلاشت الشكوك والاعتراضات بمضي الوقت. لكن المشكلة لم تعد الآن متمثلة في القبول أو الرفض وإنما في تدبير الأعضاء التي يمكن زراعتها للمرضى.
في السابق كانت هناك إمكانية شراء الأعضاء من الخارج، لكن هذا أصبح صعباً الآن، ويرى الدكتور شاهين أن شراء الأعضاء من الخارج سيتوقف تماماً خلال السنوات الخمس القادمة بسبب تشدد الدول التي كان يتم توفير الأعضاء منها. وهذا يعني أنه لابد من الاعتماد على المصادر المحلية، لكن الناس لا يتبرعون بالأعضاء على نحو يلبي الطلب الكبير من المرضى الذين ينتظرون في قوائم طويلة لزراعة الأعضاء.
هناك حاجة ماسة لنشر الوعي بين الناس من أجل تشجيع التبرع بالأعضاء بعد الوفاة في حين أن البعض يقابل مجرد الحديث حول الموضوع بالتشاؤم والكآبة، فالناس عندنا لا زالوا يتطيرون ويتشاءمون ويؤمنون بالفأل الحسن والسيئ، لذلك ستكون مهمة المركز صعبة ولكن ليس أمامه إلا مواصلة جهوده لإقناع الناس.
وقد تطرق الدكتور شاهين إلى قضية بالغة الحساسية وهي فصل أجهزة التنفس عن الأشخاص المتوفين دماغياً. وقال إن الوفاة الدماغية هي «وفاة نهائية»لا رجعة فيها، وطالب بقرار جريء من لجنة العناية المركزة في وزارة الصحة وهيئة كبار العلماء للنظر في وقف أجهزة التنفس الاصطناعية عن الأشخاص المتوفين دماغياً.
هذه الفكرة التي يطرحها الدكتور شاهين مهمة للغاية، فالأشخاص المتوفون دماغياً قد يبقون على أجهزة التنفس الاصطناعي مدة طويلة من الزمن يكونون خلالها في وضع يثير الشفقة فلا هم أحياء ولا هم أموات، فضلاً عن معاناة ذويهم، وما يشغلونه من الأسرة في المستشفيات، في حين أن وفاتهم نهائية لا رجعة فيها حسب تعبير الدكتور شاهين.
نعم نحن بحاجة إلى قرار جريء حول فصل أجهزة التنفس عن الأشخاص الذين تثبت وفاتهم الدماغية. وسيحقق ذلك القرار مصلحة الجميع ويتيح في نهاية المطاف فرصة حياة جديدة للمرضى المحتاجين لزراعة الأعضاء ويكون - إن شاء الله - صدقة عظيمة من المتبرع وذويه.
أتمنى أن نرى قريباً تحركاً جاداً في هذا الموضوع من قبل المركز ووزارة الصحة وهيئة كبار العلماء، وأن يتبنى الإعلام الموضوع.