منذ أن دخل إلى الساحة «الجنود المجهولون» الذين يُغَذُّون الإعلام الجديد بالصور ومقاطع الفيديو الطازجة الساخنة من مواقع الأحداث تغيرت صورة الإعلام الذي كان يأتي في كثير من الأحيان «بائتاً» متأخراً وخجولاً متردداً.
فالصور والمقاطع التي انتشرت على المواقع الاجتماعية ووجدت طريقها إلى وسائل الإعلام وفتحت عيوننا المغمضة لنرى أحداثاً كارثية مثل مشاهد التحرش القبيح في الظهران ما كنا لنحلم بالاطلاع عليها لولا مبادرة هؤلاء «الجنود المجهولين»، وربما ما كانت لتجد طريقها إلى عِلْم الجهات المسؤولة لولاهم!
كان بالإمكان أن تمر تلك المشاهد المخجلة دون أن يعرف عنها أحد وأن يلعق الضحايا جراحهم في عزلةٍ حزينة دون أن يقتص لهم أحد من المجرمين الذين فقدوا أي ذرة من المشاعر الإنسانية.
ومقاطع أخرى كثيرة التقطها مجهولون لأحداث عديدة وقعت بعيداً عن أعين الرقباء والشهود ما كان بالإمكان تسجيلها وتوثيقها والاطلاع عليها لولا مقاطع اليوتيوب التي سجلها مجهولون ونشروها على الملأ.
يعرف الناس، من تجاربهم الخاصة ومن تجارب أشخاص آخرين، أن تقديم شكوى إلى جهة حكومية عن واقعة معينة قد لا يحظى بالاهتمام الكافي وذلك لأسباب بيروقراطية أحياناً ولأسباب أخرى كثيرة منها صعوبة الوصول إلى الفاعل وصعوبة التثبت من الواقعة في أحيان أخرى. وقد ساعدت وسائل الإعلام الجديدة على تغيير ذلك الواقع من خلال تقديم صورة وتفاصيل عن الحدث وتوليد رأي عام ضاغط يكتسح تقاليد البيروقراطية ويجبر الجهات المسؤولة على التحرك سريعاً والقبض على المجرمين ومعاقبتهم.
وقد شاع مؤخراً أن الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع قد تضع حداً لنشاط «الجنود المجهولين» من خلال نظام ستقترحه أو إجراءات ستتخذها لمنع التصوير والنشر بحجة حماية الخصوصيات. ولا غبار، من حيث المبدأ، على إصدار نظام يحمي الخصوصيات بشرط أن لا يكون مثل هذا النظام ذريعة لتكميم الأفواه والعيون وحجب المعلومات عن الناس وعرقلة العدالة. فالهيئة، قبل غيرها أو على الأقل مثل غيرها، تعرف أن إسهام هؤلاء المبادرين المستقلين في توفير الصور والمقاطع والمعلومات أصبح أحد الملامح المهمة لنشاط الإعلام الجديد، ولن يكون بمقدور الهيئة - من الناحية العملية - وقف ذلك لأن الإعلام الجديد عابر للحدود والدول والقارات!
أتمنى أن تفكر الهيئة كثيراً وجيداً وألا تتسرع في اقتراح نظام أو إصدار إجراءات من هذا القبيل قبل أن تناقش الموضوع بعمق مع شباب الإعلام الجديد، ومع كل المختصين والاستفادة من التجارب الناجحة للدول الأخرى. فحماية الخصوصيات مطلوبة بكل تأكيد، لكن هذه الحماية يجب ان تظل في حدودها المعقولة.