يعيش كل مجتمع وفقاً لمبادئ وأنظمة تنظم حياته اليومية والعملية، ومجتمعنا كأي مجتمع آخر له مبادئه وأنظمته التي يعيش في ضوئها، وتتمثل هذه المبادئ والأنظمة بالنسبة لمجتمعنا السعودي في تعاليم الدين الحنيف والعرف الاجتماعي الذي لا يتعارض مع ما ورد في الشريعة الغراء والأنظمة واللوائح التي تصدرها الدولة لتنظيم مختلف جوانب الحياة العملية.
وهذه الأنظمة واللوائح لا تتعارض مع كون الشريعة الإسلامية دستوراً للمملكة باعتبار أن الشريعة قد تركت مساحة للحاكم المسلم لتنظيم ما لم يرد في الشريعة أو الفقه الإسلامي من الأمور المستجدة في ضوء ما يعرف بالسياسة الشرعية. والمبادئ والأنظمة (سالفة الذكر ) التي تنظم الحياة في المجتمع بنيت على أساس مبدأي العدالة والمساواة حيث إن من يخرج عن هذين المبدأين أثناء حركة التعامل يواجه من المجتمع بالنقد والاستهجان حتى ولو لم يكن هذا النقد والاستهجان علنيين، وذلك لأن قواعد الدين الحنيف وما تعارف عليه المجتمع وما يصدر من أنظمة ولوائح تنظيمية جاءت بصيغة مجردة وقابلة للتطبيق على المجتمع وليس على حالات معينة ولأسباب شخصية.
ففي مجال الأسرة عندما يقوم بعض الآباء بإفراد بعض أبنائه بمعاملة خاصة من عطايا ومزايا تختلف عن معاملة بقية أبنائه أو يقوم بمعاملة البنات بغير ما يعامل به الأولاد كأن يقوم مثلاً بتعليم الأولاد ومنع البنات من التعليم يكون هذا الأب قد ارتكب مخالفة تتعارض مع الدين ومع العرف الاجتماعي لأنه مطلوب منه تطبيق مبدأ العدالة والمساواة بين أبنائه.
وحول ذلك سوف أورد لكم حادثة شاهدتها شخصياً لأحد الشباب وهو يجادل والده في مكان عام حول مبلغ من المال سبق أن طلبه من والده المسن ولم يعطه إياه، في حين أنه حسب الشاب لا يبخل على أبنائه الآخرين حيث يخص بعض أبنائه من بعض زوجاته ببعض المال، وقد سمعت هذا الشاب في نهاية حديثه مع والده يوصيه بتقوى الله، وأنه خائف عليه من العذاب يوم الحساب.
كما أروي لكم بأني استمعت يوماً في أحد البرامج الإذاعية إلى فتاة تتصل بالبرنامج المتخصص في مناقشة الموضوعات الاجتماعية وهي تقول: إنها حصلت على الشهادة المتوسطة وأن لديها رغبة في إكمال دراستها إلا أن والدها يرى أن عليها الاكتفاء بالكفاءة في حين أن إخوانها الذكور يواصلون دراستهم الثانوية والجامعية وتطالب بكيفية معالجة مشكلتها.
وفي مجال الإدارة، فإن الأنظمة واللوائح الإدارية تطالب المديرين والمسؤولين بتطبيق مبدأي العدالة والمساواة، وبالذات فيما يخص معاملات المراجعين بحيث يتم إنجازها بالسواسية من حيث الوقت ومن حيث النظام، وكذلك فيما يخص حقوق الموظفين، كالترقيات على الوظائف التي فوض المسؤولون في اختيار شاغليها كالوظائف العليا والوظائف المستثناة وهو تفويض بعيد عن الشخصنة، بل مقيد بمبادئ الكفاءة والعدالة والمساواة، فإعطاء المسؤول صلاحية الاختيار في شغل هذه الوظائف يكون في إطار هذه المبادئ وليس حسب تطلعاته ورغباته الشخصية، فالعبرة بمن يتوفر لديه مبدأ الكفاءة والجدارة لشغل هذه الوظائف ذات الطبيعة الخاصة فكم من صاحب كفاءة حرم من الترقية لأسباب شخصية وليس لأسباب موضوعية.
وفي هذا المجال روى لي أحد الموظفين بأنه من أقدم موظفي جهته، ولديه تأهيل علمي عال فوق الجامعية، كما أنه أمضى أكثر من عشر سنوات بمرتبته كما أنه مشهود له بالكفاءة، ومع ذلك أحيل للتقاعد ولم تتم ترقيته مع أن بعض زملائه الأقل تأهيلاً وخدمة تتم ترقيتهم بمجرد إكمالهم المدد اللازمة للترقية، وأنه عندما يتساءل عن سبب عدم ترقيته يقال له: إن الترقية على هذه المراتب أمر يخص المسؤول فقط.
وفي المجال الاجتماعي، فإن المواطن الذي يزدري أخاه المواطن الآخر بسبب فقره أو لونه أو نسبه فإن هذا التصرف يتعارض مع تعاليم الدين الحنيف التي حثت على المساواة وكرامة الإنسان، كما يتعارض مع حقوق الإنسان ومع الأخوة الإسلامية والوطنية، وفي هذا المجال سأروي حادثة وقعت بين رجل يعمل في المجال الديني وشاب صالح، فقد كان الشاب يساعد هذا الرجل في بعض أمور عمله تحسباً وبدون أجر، وكان الرجل معجبا بصلاح هذا الشاب واستقامته وحسن تعاونه كما أن الشاب يكن التقدير والمودة للشخص الذي يعمل معه، وقد علم الشاب بأن لدى هذا الرجل بنات في سن الزواج لم يتقدم لهن احد، وفي ذات يوم أخبره الشاب بأنه يرغب في إكمال نصف دينه وفرح الرجل بهذا الخبر، وقال هنيئاً لسعيدة الحظ بك، وسأله من أي بيت سوف يتزوج، فقال الشاب إني أرغب القرب منك وأتزوج إحدى بناتك فانقلب الرجل المتدين رأساً على عقب، فبعد أن كان يكن المحبة والتقدير لهذا الشاب أصبح يزدريه ويحتقره ويكيل له السباب والشتائم، وهو يقول له: كيف تجرؤ على طلب الزواج من إحدى بناتي، وقام بإبعاد الشاب عن العمل معه وقطع صلته به.
والذي يمكن قوله هنا أن تصرف هذا الرجل يتعارض من دون شك مع تعاليم ديننا الحنيف الذي جعل التقوى هي المعيار في هذا الأمر وغيره، ومع مبادئ الإنسانية، فهو قد فضل الأخذ بإحدى العادات والتقاليد التي تخالف جوهر الدين الحنيف على التقيد بتعاليم الشريعة فيما يتعلق بهذا الصدد.
فالقرآن الكريم جعل معيار التفاضل بين المسلمين هو التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الآية (13) من سورة (الحجرات).
وسيد البشرية صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين بقوله: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي.
كما أنه عليه الصلاة والسلام زَوَّج ابنة عمته القرشية لمولاه زيد بن حارثة والصحابي الجليل وأحد المبشرين بالجنة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه زَوَّج أخته من بلال بن رباح رضي الله عنه مع أنه كان عبداً حبشياً قبل أن يكرمه الله ويعزه بالإسلام.
إذاً فإن الهدف من التشريعات والأنظمة وفي مقدمتها التشريع الإسلامي هو:
- التطبيق على الجميع بالعدالة والمساواة.
- التفاضل بين الناس يكون على أساس تقوى الله عز وجل وليس لأي سبب آخر.
- التفاضل بين الموظفين أو العاملين يتم على أساس الكفاءة والجدارة.
- عدم التمييز بين أصحاب المعاملات بل تطبيق الأنظمة التي تتعلق بمعاملاتهم بالسواسية.