تستهويني قراءة قصص الأشخاص الذين يعتنقون ديانات غير الديانات التي وجدوا عليها آباءهم وأجدادهم. فما الذي يدفع أي إنسان إلى تغيير ديانته الأصلية واعتناق ديانة جديدة، إذا ما عرفنا سطوة الأفكار والمعتقدات التي يتم تلقينها للناس في طفولتهم، وصعوبة الانعتاق منها مهما كانت خاطئة لأنها تصبح جزءاً أساسياً من تركيبتهم النفسية وتمنحهم السلام النفسي والإحساس بالتوازن والانسجام!؟ ويكون الأمر أكثر تشويقاً عندما يكون المتحول من ديانة إلى أخرى هو من رجال الدين في الديانة السابقة. فمثل هذا الشخص عادة ما يكون عارفاً بتفاصيل كل الأمور المتعلقة بديانته السابقة، ثم يصل في لحظة حاسمة من مسيرته الحياتية إلى اقتناع بأن تلك الديانة لم تعد تقدم له الحلول والأجوبة التي يطمئن إليها ولم يعد متحمساً للاستمرار باعتناقها حتى ولو ظاهرياً لأن التخلي عنها غالباً ما يسبب متاعب وإحراجات له حتى في المجتمعات التي تعتبر الدين خياراً شخصياً.
وتستهويني بشكل أكبر قصص الأشخاص الذين يعتنقون الدين الإسلامي، فهؤلاء الأشخاص تجذبهم في كثير من الأحيان أمورٌ لا ننتبه لها نحن المسلمين لأننا ألفناها وتعودنا عليها ونتعامل معها بتلقائية تقترب من الروتين الذي يمارسه الأشخاص في أمور دنيوية عادية.
من آخر ما قرأت في هذا الشأن ما نشرته قبل أيام جريدة الشرق الأوسط عن حاجين روسيين، هما زوج وزوجته، حضرا إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج بعد مرور خمس عشرة سنة على إسلامهما. يقول الزوج: «لم نجد السلام الداخلي الذي نبحث عنه رغم أننا كنا مسيحيين متدينين، فقررنا البحث في ديانات أخرى، ووقع اختيارنا على الإسلام، وبعد فترة من المراقبة لأحوال المسلمين الروس والقراءة عن الإسلام، لفت نظرنا اهتمام الإسلام بالنظافة الحسية وطهارة الجسد، وتشديده لزوم الصدق، وهي من أهم الصفات التي ساعدتنا على اعتناق الإسلام».
نحن نعرف أن الإسلام قد اهتم حقاً بالطهارة الحسية والجسدية، ونعرف أنه اهتم أشد الاهتمام بالالتزام بالصدق. آيات كثيرة من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة كثيرة أكدت على هذه الجوانب، وهي جديرة بأن تجتذب انتباه غير المسلمين. لكن المفجع أن بعض المسلمين لا يدركون أهمية تلك الجوانب فترى تعاملهم أبعد ما يكون عن الصدق! أما عن الطهارة، التي يجب أن تتجاوز الممارسة الشكلية السريعة للوضوء والغسل، فهي للأسف تكاد تكون مفقودة في بعض المجتمعات الإسلامية حيث تنتشر الأمراض والأوبئة بسبب انعدام النظافة.
يفوتنا أحياناً إدراك عظمة الدين الإسلامي بسبب تعاملنا الشكلي التقليدي مع الدين. لكننا حينما نسمع ما يقوله الآخرون عن الإسلام نشعر كم نحن مقصرون في معرفة ديننا وكم هي واسعة تلك المسافة بين جوهر الإسلام وواقع المسلمين في الزمن الحاضر، حيث تخيم كل سمات التخلف في مجتمعاتهم وتختلط أولوياتهم، بل إن بعضهم مازال يتشكك في مسلمات علمية بسيطة حسمتها مسيرة الحضارة الإنسانية منذ زمن بعيد!