نحن محاطون بعالم غير مستقر ومتسارع التغيرات سواء السياسية، أو الاقتصادية، أو الإيديولوجية. وهناك أعداء كثر يتربصون بنا، وحلفاء أحيانا يخذلوننا بالرغم من أننا لم نسبق أن خذلناهم وليس من شيمنا عدم الإيفاء بوعودنا لهم. ونحن كذلك شعب يزادد عدده بشكل كبير،
وتتنوع كذلك مطالبه نتيجة لتفاعله واطلاعه على العالم الخارجي من حوله عبر أحدث وسائل التواصل، وارتفاع مستوى تعليمه بشكل لم يعهد من قبل. ويشكل الشباب أكثر من نصف الشعب، ونسبتهم في ازدياد نتيجة لارتفاع مستوى الإنجاب وتحسن مستويات الغذاء والصحة. ولذا لا يجب علينا فقط التعامل مع هذا الواقع، ولكن كذلك التخطيط للمستقبل.
ورغم ارتفاع مداخلينا النفطية بشكل كبير، وارتفاع مدخراتنا إلا أن لقمة العيش التي نتقاسمها اليوم هي نفسها التي سنتقاسمها مع أجيال المستقبل. وضمان مستقبلنا سيكمن حتما في عدالة تقاسمنا للثرواتنا بشكل عادل. وهذا أمر يتحتم أن يدركه الجميع مسئولين ومواطنين. ومع ذلك علينا أن نحافظ على مجتمعنا وثرواتنا التي تستنزف بشكل كبير لخارج حدودنا أما على شكل حوالات وافدين، أو ثروات موطنين، لأن الوهم بإمكانية العيش في الخارج هو حلم ليلية صيفي بالنسبة لمن يتوهمونه.
ولا يخفى على أحد أن لدينا قضايا مهمة لازلنا نبحث عن حلول لها منذ زمن بعيد، وعلى رأس هذه القضايا قضيتان أساسيتان هما: البطالة ومشاركة المرأة. والحلول التي نقدمها لهما قد تكون بطيئة قياسا بتسارع الوقت والمتغيرات لدينا وحولنا. فالحلول الخجولة التي تقدمها وزارة العمل، مثلا، لقضية البطالة أثرها محدود جدا على الأقل حتى الآن، فأعداد تأشيرات الوافدين زادت ولم تنقص، وما زال كثير من الخريجين بلا عمل. ومن العجب والتناقض أن نكافئ المواطن رجل الأعمال على تشغيل أبناء وطنه بأن نزيد تسهيلات الاستقدام له بمنحه مزيدا من التأشيرات!!، فتوظيف أبناء الوطن يعتبر واجبا وطنيا عليه وجزءا من رد الجميل لما منح له من تسهيلات، وقروض، ويعد أهم جانب من جوانب مساهمة القطاع الخاص في التنمية. كما أنه يمكن الالتفاف بسهولة على الحلول التي لا تكون عادة جذرية وتأخذ طابع المساومة. ولذا شاهدنا كما كتب أحد الزملاء في الصحيفة قبل أيام ظهور إحصائية مضحكة مبكية فعلا من أن هناك 140 ألف سيدة سعودية مسجلة في سجلات التأمينات، وبالطبع في سجلات وزارة العمل كذلك، كعاملات في قطاع الإنشاءات لدينا. والأغرب هو كيف مرت هذه الإحصائيات مرور الكرام على هاتين المؤسستين. فهل نحن نريد حلولا فعلا أم نريد التظاهر فقط بفعل شيء. واللعب على عامل الوقت؟
طلاب الاقتصاد في المملكة وليس خبراؤه يعرفون أن الجميع: قطاع خاص وعام في المملكة يعيشون على ميزانية الحكومة، وعلى دخلها من النفط، وأن المشاريع الحكومية هي التي تحدد مستوى انتعاشنا الاقتصادي، ومستوى السيولة المتداولة فيه. إذا هنا يوجد مربط الفرس، ومن هنا يجب أن يكون مدخلنا للسعودة. ومن واقع التجربة فالجهات الأكثر توظيفا للسعوديين هي الشركات شبه الحكومية كسابك والاتصالات، والبنوك، والشركات المساهمة. والأقل سعودة هي شركات القطاع الخاص وخاصة المقاولات والخدمات وخصوصا التي لها شراكة مع جهات خارجية، أو التي يكون فيها الجانب السعودي مسهلا لأمورها فقط، ومخلصاً لمستخلصاتها من الجهات الحكومية. فالحل هو أن نتخذ قرارات تجبر هذه الشركات أن تتبع سياسات الشركات شبه الحكومية، وأن تدخل الحكومة كطرف ممثل وشريك في كل شركة تلقت دعما وقروضا من الدولة بحجم هذه التسهيلات لضمان تعديل سياسات التوظيف فيها. أو إنشاء شركات إنشاء وطنية تضطلع بالمشاريع الحكومية الضخمة، ويتم قصر المشاريع عليها فقط، فتوظف السعوديين في كل وظائفها إلا في حالات الاضطرار فقط أو الوظائف التي لا يقبلها السعوديون. هنا ندرب شبابنا في مشاريعنا وتبقى شركاتنا الوطنية ذخراً لنا في المستقبل. فدول العالم كافة التي فتحت اقتصادها للمشاركة والاستثمار الخارجي تقوم بذلك في مجالات محددة وتشترط توظيف أبناء الوطن. ولم يسبق أن جُرب مشروع مشابه لنطاقات في العالم.
كما يجب اتخاذ قرار صارم بسعودة جميع الوظائف المتوسطة والعالية بمنع الأجنبي مطلقا من العمل فيها، والأحدب كما يقال سيعرف كيف ينام، وإذا لم يوجد سعوديون مؤهلون تمنح الدولة المؤسسة مدة عام أو عامين لتدريبهم. وهذا ما فعلته فرنسا في بداية الثمانينات عندما منحت جميع شركاتها عامين لتدريب الفرنسيين على برمجة الحاسب الآلي، ولذا فالهنود يغزون شركات البرمجة في أمريكا وأوربا باستثناء فرنسا وألمانيا. وأتذكر أن الجامعات في ذلك الوقت ألغت كثيرا من درجات البكالوريوس التي تضيع الوقت والمال وتكون محشوة بمواد متنوعة بعضها لا فائدة منه، واستبدلتها ببرامج دبلومات تأهيل في مجالات محددة تحتاجها سوق العمل بشكل عاجل. والسعودة تحتاج دراسة للسوق، ثم تصميم برامج مشابهة بين مؤسسات القطاع العام والجامعات. وهذا سيفيد في تنوع تخصصات جامعاتنا التي زاد عددها مؤخرا ويمنع استنساخها لبعضها البعض الآخر. والأمر مرهون بالتطبيق الصارم للقرارات.
الأمر الثاني هو الإسراع بمشاركة المرأة بشكل فعال في الاقتصاد وفي المجتمع، فنحن نفتخر بأن عدد الخريجات لدينا يفوق الخريجين. وبسبب وضع المرأة الاجتماعي، فقد أتت شاباتنا من الصفوف الخلفية للتعليم، وكن في أحيان كثيرة أكثر اجتهاداً وطموحا من أقرانهن من الشباب. ومجتمع مثل مجتمعنا يحرص على تعليم الفتاة، ويوفر لها كافة مستويات التعليم الجامعي وما بعده في الداخل والخارج، لا بد وأن يكون مستعداً لدمجها في سوق العمل، فالمرأة لا تحتاج دكتوراه في الفيزياء أو الطب أو الهندسة الجينية لتبقى في المنزل ربة بيت متفرغه للطهي وتربية الأطفال!! والمتعلمات يعرفن كيف ينظمن نسلهن ووقتهن بحيث يمكنهن تربية الأطفال ورعايتهم أفضل رعاية. والخشية هي أن توعية المجتمع باحترام المرأة ودورها في التنمية يسير لدينا بوتيرة أبطأ من مسيرة تعلمها. ويكفي أن نفختر بأن نسبة السعوديات اللائي برزن بشكل ملفت عالميا هي الأعلى بين الدول العربية على الأقل، وهي نسبة تفوق أقرانهن من الرجال. والمرأة السعودية تنشد بقوة المشاركة في بناء الوطن، لكننا نؤجل موضوع هذه المشاركة.
وهنا تبرز أمور متعلقة بمشاركة المرأة السعودية في التنمية، والمرأة كما هو معروف نصف المجتمع، أمور في رأيي تعد شكلية وممارسة بشكل طبيعي في كل المجتمعات باستثناء مجتمعنا وهي قيادة المرأة للسيارة. وليتنا ندرس هذا الأمر الذي يستنزف أسرنا في قوت أولادهم وأطفالهم ومدخراتهم درسا مستعجلا ونبتّ فيه، لاسيما وأنه لا يوجد محظور شرعي في ذلك. فكلفة السائق الحقيقية، في الحالات المثلى التي ليس بها هروب أو حوادث أو غيرها، هي اليوم 3500شهريا. تصوروا كل أسرة سعودية تخسر هذا المبلغ شهريا!! ولو فرضنا أن لدينا مليون أسرة فقط فهذه ثلاثة مليارات ونصف شهريا للسائقين، ما يقارب 40 مليار سنويا، يضاف لها الكلفة غير المنظورة على موارد البلاد المدعومة الأخرى: ماء، غذاء، كهرباء، دواء، طرق، وسكن الخ.. لأدركنا حجم تبعات عدم السماح للمرأة بالقيادة. ولا يخفى على الجميع بأن ذلك ليس فرضا أو واجبا بل أمر اختياري، فهناك تفاوت في تعليم النساء والأسر في المجتمع، وكذلك في حاجتها للقيادة. ولوقاد ربع النساء فقط لزاد عدد السائقين الذين يمكن توفيرهم لأخواتهن اللائي لا يرغبن في ممارسة هذا الحق، وربما انخفضت كلفتهم، والجميع يعرف أن هذا الموضوع تحصيل حاصل ولذا فالمصلحة العامة تقتضى الاستعجال في البت فيه لأن بقاءه معلق بهذا الشكل لا يسهم في تقليص فجوة الخلاف حوله.