رغم أن التطوير الحديث في استخدام التقنية في قطاع المصارف جعل الكثير من شركات الصرافة والبنوك لا تدخل في المنافسة على إنشاء المزيد من الفروع، وتوظيف المزيد من المواطنين، بما يعني أن العميل أصبح يعتمد على التقنية الإلكترونية إلى حد بعيد، في إجراء معظم العمليات التي يحتاج إليها.
ورغم انخفاض المصاريف التشغيلية التي كانت أحد أسباب ارتفاع أرباح المصارف السعودية إلى 29 بليوناً في مقابل 27 بليون ريال للفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 7.8 في المئة، ورغم أن ارتفاع دخل العمليات المصرفية أيضاً كان سبباً في هذا الارتفاع في الأرباح، إلا أنه انتشرت شائعة في مواقع التواصل الاجتماعي، ورسائل برنامج (الواتساب) بأنه سيتم فرض رسوم بنكية لبعض الخدمات التي تقدمها المصارف، مثل دفع قيمة المشتريات عن طريق الشبكة السعودية، أو ما يعرف بـ (أي تي إم)، وهذا الأمر، حتى وإن نفته البنوك السعودية، مع أن المفترض أن يتم النفي رسمياً عبر مؤسسة النقد السعودي، إلا أنه يكشف عن حال البنوك، التي تعودت منذ عشرات السنين، بأن تأخذ ولا تعطي، تسعى بكل ما تستطيع، إلى خفض نفقات التشغيل، والاستغناء عن بعض الكوادر الوطنية، دون أن تسهم في بناء هذا المجتمع، الذي منح هذه البنوك أمواله دون أن يحصل على فوائد ربوية، نتيجة لأسباب دينية، في مقابل أن تمنح البنوك ذاتها القروض للمواطنين بفوائد بنكية، حتى وإن تم التحايل على المسميات، باستخدام طرق ملتوية لا تنفي حصول هذه البنوك على فوائد متراكمة من قروض بنكية ميسرة، كما يطلق عليها.
ورغم أن المصارف لدينا تحصد البلايين تلو البلايين، نتيجة النمو الاقتصادي المستمر في هذه البلاد، إلا أنها لا تفكر بالخدمات المجتمعية، سواء في صناديق الفقر، أو دعم المجالات الثقافية عبر مؤسسات الدولة الثقافية، أو دعم الأنشطة الرياضية عبر رعاية بعض الأندية الرياضية، خاصة الأندية الصغيرة المزدحمة بالمواهب، لكنها تعاني من انخفاض الدخل، ومن عجز موازناتها السنوية.
حتى الجانب الإعلاني حينما تسارع المصارف إليه، لا تأخذ في الحسبان مصلحة المواطن أو الوطن، بل تعنى بمصلحة ارتفاع الأرباح السنوية فقط، فحين تبادر بتوزيع جوائز سيارات على عملائها، تكون قد أتقنت رسم فخ استخدام الطاقات الائتمانية، وحرّضت هؤلاء المساكين على استخدامها لحاجة، أو لغير حاجة.
كم أتمنى أن يشطح أحد المصارف، ويبادر بتثقيف المواطنين، وتنويرهم، في التقشف عند استخدام بطاقات الائتمان، كم أتمنى أن تهتم المصارف بالمواطن، وتدرس حاجته قبل أن تملأ حسابه بمئات الآلاف بضغطة زر، ثم تتركه يكابد السداد، ويصارع الفقر والحاجة لسنوات طويلة.
ولعل المضحك أن البنوك لا تترفع أبداً عن كسب الريالات القليلة، حتى عند طباعة كشف حساب العميل، وحتى عند صرف بطاقة صراف بدل فاقد، ولو كان فقد العميل لبطاقته لا يتحمله هو، بل أجهزة الصراف المعطلة في الشوارع، التي تلتهم البطاقة بدم بارد، ولا تتورع هذه البنوك عن خفض نفقاتها حتى بتوفير إيصالات عمليات آلات الصرف الآلي... إلى آخره.
ومع ذلك، ومع ارتفاع أرباحها السنوية المستمر، لكننا نتمنى أن تصبح جزءاً من المجتمع، تشعر به، وتفكر في مصالحه، لا تفكر في جيبه!