في مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي كانت القصة القصيرة في أوج ازدهارها في السعودية، وكان مجرد نشر قصة قصيرة لأحد فرسانها في إحدى الصحف اليومية يخلق حالة من النشوة والرقص والإصغاء، ولعل هذا ما يفسر حالة نشر القصص القصيرة، وتنظيم أمسياتها آنذاك، حتى غامر أحد فرسانها، وأعني عبدالعزيز مشري رحمه الله، ممتطياً صهوة الرواية، فأضاء هذا الفن منذ مطلع التسعينيات، وأغوى الآخرين بكتابته، حتى تقاطر نحوه الجميع، خارجين من كل الحقول، الشعر والفكر والقصة، ليكتبوا الرواية بدرجات متفاوتة من الجودة!
ورغم انحسار جيل الثمانينيات القصصي، إلا أن هناك من الأسماء الجديدة التي أضافت لهذا الفن من الأجيال اللاحقة، لكنهم بقوا في الظل، لا تكاد أعمالهم تلفت الانتباه وهي تسير تحت ظل حائط الرواية العالي.
منذ عشر سنوات تحرك العالم تجاه القصة القصيرة، فأوجدت بريطانيا جائزة مهمة لهذا الجنس الأدبي، في محاولة جادة لإعادته وبث الحياة في روحه، وتنازل مؤتمر الرواية بالقاهرة عن إحدى دوراته لصالح الفن القصصي، وهكذا حملت البشائر أن فن تشيخوف وموباسان سيعود يوماً بشكل أقوى وأكثر ازدهاراً، وصدقت بالفعل تلك التنبؤات، فالتفت أعناق العالم بأسره تجاه السويد، حيث تقف الكندية أليس مونرو، كما لو كانت أليس في بلاد العجائب، وهي تنصت غير مصدقة لإعلان اسمها فائزة بجائزة نوبل للآداب 2013م، وبينما كان الجميع ينتظر تتويج الياباني هاروكي موراكامي بالجائزة، صاحب الروايات ذات الستمائة صفحة وأكثر، جاءت من خلفه ذات الصفحات العشرين فقط، لتحصد الجائزة.
الغريب أن مونرو حاولت مراراً أن تكتب رواية، لكنها تفشل، وينقطع نفسها بعد بضع صفحات، لتقتنع أخيراً أنها خلقت لتكتب القصة القصيرة التي لا تصل، بأي حال، إلى مائة صفحة.
هذه القاصة البارعة، ظلت خمسة عشر عاماً، تكتب سراً، وترسل المخطوطات إلى دور النشر، لتعاد إليها مع رسالة اعتذار عن النشر، حتى جلست في مكتبة زوجها وهي في سن السابعة والثلاثين لتكتب دونما هاجس ملح بالنشر، فكانت تلك هي تجربتها الحقيقية الأولى، التي تستحق النشر والاحتفاء والجوائز، وأيضاً الذعر والوجل، فقد استلمت مونرو ست نسخ عبر البريد، مما أصابها بالخوف والذعر، وجعلها تخبئ هذه النسخ في الخزانة تحت الدرج لمدة أسبوع كامل، قبل أن تقرأها وتطمئن إلى أنها الآن أصبحت رسمياً كاتبة تتوفر كتبها في المكتبات.
هكذا جاءت أليس مونرو من الحقل المنسي، حقل القصة القصيرة، لتخبر العالم أن الأدب الجيد هو ما يستحق الجوائز، بعيداً عن جنس هذا الأدب، وجنسية كاتبه، وعمره، و... و... إلخ.
لذلك هناك عدد هائل من الشعراء، ومن الروائيين والمسرحيين وكتاب القصة القصيرة، لكن من يتميز منهم في العالم لا يتجاوز أصابع اليدين، هؤلاء الذين يمتلكون شرارة الإبداع، ويوقدون جذوته الباهرة، كي ينصت العالم إلى أصواتهم، فمبروك للقصة القصيرة أولاً، وللمرأة المبدعة ثانياً، ولكندا ثالثاً هذه الالتفاتة الجميلة.