كما نجحنا في حج هذا العام، من حيث التنظيم في مختلف المشاعر، وكما نجحنا في منع الافتراش الذي يتسبب بالكوارث في الأعوام السابقة، لأننا ببساطة نجحنا في تطبيق القانون بدقة، وعدم تهاون، وذلك بمنع الحجاج القادمين الذين لا يحملون تصريحاً بالحج، وصاحبَ ذلك حملة إعلامية إرشادية، جعلت هذا النظام يُطبق بحذافيره، وهو في الوقت ذاته كشف أصحاب الحملات الوهمية هذا العام، وظهرت فضائح هؤلاء المحتالين، الذين قبضوا الثمن من حجاج مقيمين بيننا، ثم اختفوا فجأة، رغم أنهم كانوا ملء البصر، وهم يهبطون بحملاتهم الدعائية في مختلف الصحف، وتوزيع البروشورات في كل مكان، واستئجار مقر مؤقت لجمع السرقات، ومن ثم الهروب الرخيص!
ولعل من الدهشة، أنه كيف استطعنا ضبط النظام وتطبيقه بدقة، وفشلنا في إيقاف هذا العبث السنوي لهذه الحملات الوهمية، فهل يعقل أن يضيع حق هؤلاء الحجاج المخدوعين بين الجهات الحكومية؟.. لماذا لا يتم القبض على هؤلاء المخادعين، والتشهير بهم، وسحب أي تراخيص لديهم، ووضعهم على قائمة الممنوعين من العمل التجاري، بعد إعادة أموال الحجاج المنهوبة؟
الجميع منا يعرف أن هذه الأسطوانة تتكرر كل عام، وهي ظاهرة ليست جديدة، لكنها هذا العام ظهرت على السطح، للتشدد في فرض الحج النظامي بموجب تراخيص حكومية، وربما هذا الأمر ورط هذه الحملات الوهمية، أو ربما أن أصحابها كانوا يديرون المكيدة باكراً، وينتظرون الفرصة كي يهربوا بالأموال، وأي أموال؟.. للأسف أموال مسلمين يحلمون بإكمال شعيرة الحج قبيل وفاتهم، فيا لبئس السرقة والخطيئة، فبرغم أن ديننا يحرم السرقات عموماً، إلا أن سرقة مال الحاج هي أمر غير طبيعي!
أظن أن على وزارتي الداخلية والتجارة قبل العمل مبكراً هذا العام، من أجل حملات العام القادم، أن تشدد في البحث عن هؤلاء السارقين، بجميع الوسائل والطرق، وأن تطبق عليهم العقوبات المشددة، والتشهير في الإعلام، حتى يكونوا عبرة لمن تسوّل له نفسه في الأعوام القادمة أن يمارس الخديعة على ضيوف الرحمن!
ولعل الجهات الرقابية أيضاً تراجع أسعار الحملات النظامية، التي وصلت إلى أرقام يعجز عنها كثيرون، وتضاعفت خلال خمس سنوات، فحملات الحج التي كانت تتقاضى على الحاج الواحد خمسة إلى ستة آلاف، أصبحت لا ترضى بأقل من اثني عشر ألف ريال، وهو الرقم الأقل بالنسبة لحاج يبحث عن حج مثالي، ورحلة طائرة، وتسهيلات معقولة، وقد ترتفع الأرقام في السنوات الخمس القادمة إلى الضعف أيضاً، مما يحوّل الحج مستقبلاً إلى حلم بعيد المنال بالنسبة للمقيم والمواطن على حد سواء!
فهل تتم الرقابة بشكل فاعل على حملات الحج، سواء من حيث مصداقيتها، أو من حيث منطقية أسعارها قياساً بالخدمات التي تقدمها؟.. هذا ما نتمنى أن تقوم به الجهات الحكومية ذات العلاقة، وذلك من واقع إحساسها والتزامها بالمسؤولية عن هذه الشعيرة العظيمة.