أن تجتمع حوالي خمسمائة سيدة سعودية تحت سقف أرض المعارض كي يتحدين الظروف، وينتجن من السلع الكثير مما يفوق في جودته ما تنتجه المصانع، فهو أمر مشرف، ويسعد الجميع، لأن هذه السيدة قررت أن تقف في وجه بطالة مخيفة فاقت نسبتها 34 بالمئة من المجتمع، وقررت باعتداد وعزة وكبرياء ألا تنتظر مكافأة حافز الزهيدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هؤلاء النسوة اللاتي قدمن أنفسهن في معرض (منتجون) أو (الأسر المنتجة) استطعن أن يكسرن حاجز العزلة، ويتصالحن بذكاء مع ظروف المجتمع. فمع ندرة الوظائف النسائية نتيجة تحفظ بعض فئات المجتمع على كثير من الفرص المتاحة لهن، ومع صعوبة النقل لعدم توفر نقل عام في البلاد، قررن أن ينتجن من منازلهن أبرز المنتجات المتميزة، بأفكار جديدة وتنفيذ جميل، حتى أصبحت بعض المحال الشهيرة تتعاقد معهن، خاصة في نطاق المأكولات، كالمطابخ والحلويات وما شابه ذلك.
هذا المعرض الرائع يمثل بالنسبة لهن فرصة تسويقية لا تعوّض، ففيه يقمن بعرض منتجاتهن على مئات الآلاف من الزوار، وبالتالي يبنين علاقات جديدة مع مستهلكين جدد، وتتسع قاعدة أعمالهن من المنزل، وهذا أمر مهم وفرصة رائعة للتسويق، رغم أن أغلبهن استفدن من وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفيس بوك، وحصدن عشرات الآلاف من المتابعين، الذين يقتنون من منتجاتهن، وكأنهن يقلن بثقة واعتداد: فقط دعونا نعمل، وشكر الله سعيكم. حيث لم تقدم لهن أي من الجهات ذات العلاقة أي دعم، كوزارة العمل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وغيرها.
أعتقد أن المشاهير في السعودية بمختلف المجالات، والذين يحظون بأعداد كبيرة من المتابعين، قادرون على خدمتهن أكثر من هذه الجهات، وذلك بالتعريف بهن، والحرص على إعادة تغريد ما ينشرن من صور منتجاتهن الجديدة، رغم أن إقامة مثل هذا المعرض تعد أمراً مميزاً يستحق من قام عليه الشكر والثناء، بل ونتمنى تكراره بشكل سنوي، وفي أكثر من مدينة ومنطقة في بلادنا الشاسعة.
تلك المجالات المتعددة لهذه الأسر من صناعة الحلوى والشوكولا، وحتى تصميم الفساتين والحفلات والديكور، حققت الاكتفاء لبعض هذه النساء، ولم يعدن بحاجة إلى أحد، إلا الله سبحانه، واستطعن دعم أزواجهن وأسرهن بدخل جيد، دون أن يتكبدن عناء العمل في مكان بعيد، وعناء التنقل منه وإليه.
ولا شك أن هذه الأسر المنتجة هي جزء مؤثر ومهم من مكونات الناتج المحلي في كثير من الدول، حتى الدول المتقدمة، التي أصبح فيها العمل من المنزل يقدم دخلاً كبيراً يسهم في ازدياد الناتج المحلي، ورغم أنه لدينا لم يزل دون المستوى المأمول، ولا يشكل إنتاجهن نسبة ذات تأثير في الناتج المحلي، لصغر منتجاتهن بالنسبة إلى ضخامة الناتج المحلي العام، إلا أن ما تم تقديمه في هذا المعرض، يؤكد أن هذه الأسر ستكون رقماً مؤثراً في اقتصادنا في المستقبل القريب.
كل ما ننتظره من رجال الأعمال وملاك المصانع الاستفادة من خبراتهن وقدراتهن، ودعمهن بتسويق منتجاتهن، مما يوسع قاعدة انتشار ما ينتجن في الداخل والخارج.