الحفل السنوي الذي يقيمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي رعاه هذا العام وحضره نيابة عنه - حفظه الله - سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز، يُعد مؤتمراً إسلامياً دولياً يكون بمثابة النافذة التي يلتقي بها خادم الحرمين الشريفين بقادة الدول الإسلامية وممثليهم، وأن يوجِّه من خلاله حديثه للأُمّة الإسلامية جمعاء، وليس فقط للحاضرين من قادة الدول الذين أدّوا فريضة الحج هذا العام، ورؤساء بعثات الحج الإسلامية، إذ يكون الحديث موجهاً لعموم المسلمين.
هذا العام، حملت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي ألقاها سمو ولي العهد نيابة عنه، حملت مضامين عدّة، وتوجُّهات الأُمّة الإسلامية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا، وكان لافتاً تركيز كلمة خادم الحرمين الشريفين على تعزيز الوحدة الإسلامية .. وحدة الصف والتعامل مع الغير بإنسانية متسامحة لا غلوّ فيها ولا تجبُّر، ولا رفض للآخر لمجرّد اختلاف الدين.
والذي لفت انتباه الحضور وكل من استمع إلى كلمته، هو التركيز على أهمية الحوار وخاصة بين المذاهب الإسلامية، حوار يكون مدخلاً سليماً لفهم بعضنا البعض، وليس لهدم وحدة الأُمّة، إذ يؤكِّد خادم الحرمين الشريفين في كلمته «فما اتفقنا عليه فالحمد لله فضلاً ومنّة، وما اختلفنا عليه يجب أن لا يكون طريقاً لهدم وحدة الأُمّة الإسلامية».
تنبع أهمية هذا القول ممّا تشهده الساحة الإسلامية من اختلافات وصلت إلى حدِّ الاحتراب والقتل، الذي تفشّى في أكثر من بلد إسلامي، بسبب الاختلافات التي لا تُعَد أساسية بل اجتهادات، ومع أنّ الاجتهاد سنّة الله في خلقه ولذلك جاء الخلاف في الرؤية بين المذاهب رحمة للعالمين، على أن لا يكون مدخلاً للمساس بعقديتنا الإسلامية التي لا يقبل أيّ مسلم المساومة عليها.
وإذا كان اختلاف الرؤية بين المذاهب رحمة للعالمين، إذاً فما بال من استغلّوا هذه الخلافات لتأجيج الصراع بين أبناء الأُمّة الإسلامية، الذين انساقوا إلى هذه الخلافات والذهاب إلى أبعد من ذلك، والاقتتال على مسائل فرعية استغلّها المغرضون لتدمير الأُمّة الإسلامية، من خلال إشغال أبنائها بالاقتتال مع بعضهم البعض، وذهبوا في غيِّهم إلى الحدّ الذي ينال من عقيدة الأُمّة، والمساس بالعقيدة الإسلامية، من خلال العمل على نشر الغلوِّ والكراهية والتسلُّط بين أبناء الأُمّة الواحدة، خدمة لأهداف سياسية وحزبية تتجاوز قيم ومبادئ الإسلام النقيّة، وهكذا وبدلاً من أن يكون الاختلاف رحمة، والتعدُّد إثراءً للفكر والسّلوك، حوّلها دعاة التحزُّب والطائفية إلى مدعاة للاقتتال والاستئصال والعنصرية، ولذا فإنّ دعوة خادم الحرمين الشريفين التي أعاد التأكيد عليها في هذه الكلمة، والأخذ بنهج الحوار الذي يعمل - حفظه الله - على أن يكون المسلك الحضاري والفكري لقادة الأُمّة الإسلامية ومفكِّريها وعلمائها ودعاتها، لأنّ إشاعة الحوار بين أبناء الأُمّة الإسلامية، مهما تعدّدت الاتجاهات وتنوّعت الاجتهادات، مدخلٌ سليمٌ لفهم بعضنا البعض، ووسيلة ناجعة لعودة الوحدة لأبناء الأُمّة الإسلامية، مهما تعدّدت مذاهبها وتوجُّهاتها.
ثقافة الحوار التي يعمل خادم الحرمين الشريفين على إشاعتها بين أبناء البشرية جمعاء، لتكون مدخلاً لعالم يجمعنا فيه الاحترام والاعتراف بالآخر، من المهم أن نلتزم بها نحن المسلمون حتى نقنع الآخرين بها حتى يعمّ السلام العالم أجمع.