ليس فقط خفض نسب الحجاج هذا العام بسبب التوسعات التي تتم في الحرم المكي الشريف، وبخاصة توسعة المطاف؛ إذ قُلّص عدد الحجاج القادمين من خارج المملكة إلى ما نسبته 20 % وحجاج الداخل من المقيمين والمواطنين السعوديين 50 %، هو سبب نجاح هذا الموسم، ولكن أيضاً للتطبيق الحازم والسليم لإجراءات تأدية فريضة الحج، وبخاصة الالتزام بدقة بتصاريح الحج، واكتمال الخدمات والمشاريع التي تضاف كل عام؛ ما أدى إلى تقديم موسم حج ناجح، تفوق كل ما فيه على العام الماضي وعلى كل ما سبقه؛ إذ تابعنا وتابع العالم الإسلامي جميعاً كيف تم تفويج ضيوف الرحمن ونفرتهم من منى وعرفات ومزدلفة، وعودتهم إلى منى، إضافة إلى أداء الطواف في سهولة وسلاسة، وإتاحة تأدية مناسك الشعيرة الأساسية براحة لجميع الحجاج.
وكان لافتاً عدم التدافع عند رمي الجمرات؛ إذ رمى الحجاج الجمرات بكل سهولة، وبهدوء، وعادوا إلى أماكن أقاماتهم في منى في وقت قياسي.
مرد كل هذا إلى الإجراءات السليمة التي تضافرت جهود الأجهزة المسؤولة لتنفيذها، سواء في وزارة الداخلية أو في نظيراتها من وزارات الحج والبلدية والصحة والحرس الوطني والدفاع والشؤون الإسلامية والنقل وجميع الوزارات، كل فيما يخصه، وكان لافتاً التطبيق السليم والحازم من قِبل وزارتي الداخلية والحج، فبالنسبة للداخلية تم هذا العام تنفيذ جيد وأفضل بكثير من العام السابق لنظام تصاريح الحج؛ إذ تم إعادة 120 ألف شخص غير نظامي، حاولوا تأدية الفريضة دون تصريح، كانوا سيسببون ازدحاماً ومزاحمة للحجاج النظاميين، رغم أن هؤلاء المخالفين سبق لهم تأدية الفريضة أكثر من مرة، كما تم ضبط 46 ألف سيارة مخالفة، وضبطت الجهات المختصة 95 حملة وهمية في مختلف المناطق. هذه الحملات إحدى (آفات) الفوضى التي كانت تتسبب كل عام في انتشار الحجاج المفترشين الذين غابوا هذا العام، كما غاب الازدحام وفوضى السكن والإقامة. كل هذا تم بمجرد الالتزام والتطبيق الصحيح للتعليمات التي وُضعت من أجل سلامة ضيوف الرحمن وتمكينهم من أداء الفريضة براحة وسلاسة. وقد تكامل هذا الأداء وهذه الأمانة في تطبيق التعليمات مع تكامل الخدمات، خاصة في المجالات الصحية التي أصبحت محل إشادة وتقدير. ويكفي أن بعض الحجاج أُجريت لهم عمليات جراحة قلب مفتوح، إضافة إلى عدد من عمليات القسطرة، وإجراء عمليات غسيل الكلى، وتمكين الحجاج المرضى المنومين في مستشفيات المشاعر المقدسة من تأدية الفريضة من خلال نقلهم بسيارات إسعاف معدة سلفاً، يرافقهم أطباء وممرضون.
أداء وزارة الصحة وتغطيتها لهذا العدد الكبير من البشر يُعد إنجازاً يتابعه العالم، ونشهده نحن المواطنين بمزيد من الفخر يُضاف إلى فخرنا الدائم في التعامل مع الحشود التي لا مثيل لها في مكان وزمان محدودَيْن.