مذ بدأت إجازة العيد والازدحام يخف في شوارع مدينة الرياض؛ فالطرق سالكة، والمواقف متوافرة، والأسواق - على خلاف العادة - شبه خالية؛ وقد كانت الأسواق قديماً في الرياض تعاني أشد المعاناة من كثرة المتسوقين على الملابس والحلويات والخياطين وغيرهم؛ أما الآن فهاهي مدينة الرياض بأسواقها المتعددة ومجمعاتها الكبيرة تشكو في أيام العيد من قلة المتسوقين، وهاهي الرياض تهجر أبناءها بعيداً عنها خلال الإجازة إلى المدن الساحلية كالدمام والخبر، أو إلى دبي والبحرين، أو إلى القاهرة وبيروت أو استانبول، أو إلى لندن وباريس وفيينا وميونيخ وغيرها من دول أوروبا. لِمَ هي الرياض على هذا النحو طاردة مهجرة؟! لم ينزح مئات الآلاف كهجرات عائلية ومنفردة إلى خارج المملكة؟ لم لا يجد راغب السفر إن تأخر في التخطيط لإجازته مقعدا في طيارة، ولا أقول في قطار؛ لأنه غير موجود ولا يخدم إلا جهة واحدة وهي المنطقة الشرقية، أما الخطوط السعودية؛ فإن الحصول على مقعد على أي طيران أجنبي أيسر بكثير من الحصول على مقعد على السعودية إلى جدة أو الظهران أو أية عاصمة خليجية أو عربية أو دولية؛ والسبب قلة عدد الطائرات وقلة الوجهات التي تحط فيها السعودية. هي معاناة مزدوجة لساكن الرياض؛ فإن قرر البقاء في مدينته سقط في شباك الملل الذي يسكن تفاصيل المدينة؛ فكثير من الأقرباء والمعارف والأصدقاء حزموا حقائبهم وغادروا، ولا جديد في المدينة يمكن أن يسلي أو تقضي فيه العائلة وقتا مفيدا؛ فبعد أداء واجب المباركة والسلام على الشيبان ومن لهم حق الزيارة في اليوم الأول من أيام العيد يمتد الوقت طويلا وثقيلا على الكبار والصغار، ويتساءل أحد الأشقياء من الشباب: أين نذهب؟! فأجيبه على الفور: شد أرضك، مالك إلا بيتك أو المطعم أو النوم!
يريدون صالات سينما ومسارح كوميدية كما في البحرين والكويت وقطر والقاهرة وغيرها، ويريدون مدينة ألعاب كبيرة وضخمة تجمع العوائل ولا تفرقهم كما في كل بلدان الدنيا، يريدون أن يذهبوا معا كعائلة إلى أي مقهى أو مطعم فلا يغلق عليهم بالبارتشن وكأنهم في أحد غرف منازلهم!
يريد من يهاجر خلال العطل - وكأنه يفر من قفص لا يفرط في أيام قلائل - أن يعيش بصورة طبيعية دون ضغوط اجتماعية ويريد أن يستمتع بعشرات الخيارات من فرص التسلية والترويح.
الرياض مملة!
هذا ليس رأيي؛ بل هو تصنيف خرجت به إحدى التقارير الصحفية التي قرأتها قبل أشهر، وأزعم أن كثيرين أيضا قرؤوها، وحتى لو لم يكن استنتاجا من استبانة أو استطلاع صحفي؛ فإنه شعور شبه عام تؤكده مواسم العطل القصيرة كعيدي الفطر والأضحى ومنتصف العام والطويلة كإجازة الصيف؛ بحيث تتضاعف كآبة المدينة خلال هذه المواسم وتزداد هدوءا وسكينة إلى ما جبلت عليه من ملال وضجر!
عرفت الرياض عند أهلها وعند من يفد إليها بأنها مدينة للعمل، يعرف أهلها وساكنوها طرقهم اليومية المعتادة إلى أعمالهم، ويعرفون أيضا طرقهم المعتادة إلى أماكن تبضعهم، ويعرفون أيضا طرقهم اليومية إلى ساعات نومهم؛ ليبدؤوا في اليوم التالي تكرارا لبرنامج الأمس وما قبل الأمس وغدا وما بعد الغد؛ فلا جديد يمكن أن يضاف إلى البرنامج الممل في إجازة مسترخية أو في أيام عمل ثقيلة!
لم يعرف بعد سكان الرياض ثقافة: أين تذهب هذا المساء!
فالمساء في الرياض مثل الصباح، والليل يشبه النهار، فقد يكون عملا متواصلا عند بعضهم، أو وقتا مكررا في مطاعم الفاست فود أو المثلوثة أو البخاري أو غيرها من المطاعم الحديثة مما أصبح الوسيلة الوحيدة للاستمتاع في الرياض والنتيجة كم هائل من الكروش والأجساد المترهلة ليس لها من مهمة سوى العمل أو اخبط بخمسك!
كل عام وأنتم بدون ضجر!