تقول الأخبار: بيعت دجاجة مميزة في هذا الأسبوع بستة عشر ألفاً وخمسمائة ريال، خلال عرض كبير لمزايين الدجاج أقامه هواة اقتناء الدجاج المميز المنتمي إلى سلالات أوروبية نادرة، وبلغت حصيلة حركة البيع والشراء لمزايين «الدجاج» تسعة وتسعين ألفاً وخمسمائة ريال كما نص الخبر!.
وكنا سابقاً قد رأينا في الصحف الإلكترونية وغيرها عن مزادات بمبالغ خيالية تصل إلى مئات الألوف عن مزايين «التيوس» ووصل سعر التيس المميز الأصيل من السلالة السورية إلى أكثر من مائة ألف ريال!.
أما مزايين «البعارين» فحدث عن الإسراف في إنفاق الأموال عليها ولا حرج، وحدث عن المباهاة بالنادر منها ولا حرج، ثم حدث عن «الغزل» الشعري بملكة جمال الإبل في القنوات التلفزيونية الخاصة بها ولا حرج أيضا!
لقد أصبح الافتتان بهذه الهوايات أمرا مثيرا للاستغراب والتساؤل؛ لأنه تعدى في الحالة البعيرية الحد المقبول من الافتتان بالهوايات والغرام بتفاصيلها إلى أن يشعل وقود عصبيات وقبليات لن تكون في صالح السلم الاجتماعي، وتعدى إلى مرحلة سرف ومباهاة وهدر للمال لا يمكن إلا أن يدخل في باب التبذير؛ كان الأولى بما يكب في المدافن من الأطعمة وما يعرض للمباهاة في احتفال كل شيخ بقبيلته ومزايينه أن يذهب إلى أبواب الخير ومساعدة الفقراء وإغاثة المحتاجين والتفريج عن المعسرين والمديونين وإقامة المشروعات النافعة؛ كالتبرع لإنشاء مستشفيات أو جامعات أو مجمعات سكنية أو تعبيد طرق أو تكوين شراكات تجارية وطنية غايتها الوطن أولا ثم الربح ثانيا؛ كشركات طيران أو شركات قطارات يمكن أن تعمل في فضاء التسهيلات التي منحت أخيراً بعد طول انتظار لشركات الطيران أو للقطارات، بعد أن توشك مشاريع السكك الحديدية على الانتهاء من مرحلتها الأولى؛ لأن تغطية المملكة بخطوط السكك الحديدية يحتاج إلى عقود زمنية طويلة؛ لتأخرنا الفادح غير المبرر في هذا المجال الحيوي المهم!
ماذا يمكن أن نسمي هذا اللهاث الغريب حول مزايين الحيوانات والطيور والدواب؟! وكيف لنا أن نوجد تفسيرا حقيقيا لذلك « العقل « الباذخ الذي تلفت اثنتين وثلاثا؛ فلم يجد ما يستحق أن يوليه اهتمامه أو الظهور من خلاله إلا أن يلعب بملايين الأموال في حركة منافسات تجارية تخرج عن نطاق الكسب بالبيع والشراء إلى نطاق التفاخر والمباهاة بحيوان قد ينفُق في أية لحظة بعد أن دفعت لاقتنائه الملايين، وبعد أن كد كثيرون من الحواريين والأتباع في سبيل تثبيت سلالته وأصله وفصله ومن أبوه وجده القريب والبعيد؛ ليكون هذا « السيفي « الخطير مدونا في تاريخ هذا البعير الأصهب أو تلك الناقة البيضاء!
هل وصلنا إلى مرحلة من الترف وخلو البال وتفاهة الاهتمامات إلى أن يفرغ بعضنا نفسه ووقته ويسخو بماله للعناية بهذا اللون من الهوايات الخاوية التي لا معنى لها في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى شيء من الجد والنباهة والحرص على توحيد الاتجاهات والابتعاد عن إثارة النعرات أو خلق الزعامات الوهمية القائمة على رش المال، وفي وقت نرى المشكلات الخطيرة في دول عربية على الحدود من الشمال ومن الجنوب ومن الشرق، ولا يمكن للعقلاء في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ وطننا أن يفرغوا أنفسهم أو يهريقوا أوقاتهم أو ينفقوا أموالهم على اهتمامات لا طائل من ورائها على الإطلاق؛ إلا ما تبعثه في النفس من حسرة على الجهد والمال وصرف أفكار الناس عما يفيد وينفع!
أو وصلنا إلى مرحلة بالغة من الفراغ الفكري والخواء النفسي بحيث نتبارى في كب الأموال على أية دجاجة أبهى؟ أو أي تيس أحلى؟ أو أي بعير أزهى؟!
أو وصلنا إلى ألا نجد سبيلا رشيدا لإنفاق المال على ما ينفع ويجدي مما يحتاجه مجتمعنا من أبواب الخير ومساعدة المحتاجين ونبذره على ملكات جمال الدواب والطيور؟!