شعرة بين الشهادة والانتحار!

اطلعت على صورة لشاب سعودي متوفى، وقيل: إنه قتل في سوريا، وذلك بعد انضمامه للمجاهدين هناك، ويبدو من الصورة أن هذا الشاب المغرر به ربما لا يتجاوز الثلاثين من عمره، ثم علمنا أن لديه طفلا رضيعا، ثم رأيت صوراً لشباب لم يتجاوزوا العشرين من العمر، قيل: إنهم نفروا إلى الجهاد، وكنت قبل ذلك قد اطلعت على صوركثيرة لشباب تم قتلهم بطرق بشعة، وهم في عمر الزهور، وذلك بعد أن ذهبوا إلى بؤر التوتر في سوريا، والعراق، وغيرهما من الدول التي تدور فيها حروب أهلية حول العالم، ولا أظن أن أحدا يجهل القوى الخفية التي تؤز هؤلاء الشباب على الذهاب هناك، ويساهمون في إنهاء حياتهم باكرا، ويفجعون ذويهم، مع الاعتراف بأن قلة من الأسر تحتفل بمقتل ابنائها، وقد غرد أكثر من شخص في تويتر يبشر المتابعين باستشهاد ابنه، ويحثهم على ارسال ابنائهم إلى الجهاد!

لا أدري كيف يشعر من يغرر بهؤلاء الشباب، وهو يرى أطفال بعضهم قد تيتموا في سن صغيرة، وزوجاتهم ثكالى، ووالديهم في حالة يرثى لها، وقد قابلت أكثر من أسرة ممن فقدوا أبناءهم نتيجة لمثل هذا التغرير، ولا أعتقد أنني أملك القدرة على وصف الحال التي كانوا عليها من البؤس، والشقاء، والحزن، خصوصا تلك الأسر التي كانت تعتمد على أبنائها بعد الله في معيشتها، وتسيير شؤونها الحياتية، ومع ذلك فلا زال قطار التغرير يسير بلا توقف، وقد سمعت قصصا كثيرة عن الشباب الذين يتواجدون هذه الأيام في سوريا بغرض الجهاد، ولا زلت، وغيري نتساءل عن ماهية الجهاد في بلد يعيش أجواء حرب أهلية، وتتقاتل فيه الفصائل المعارضة للنظام مع بعضها بعضا، إضافة إلى مقاتلتها للنظام!، ففي مثل هذه الأجواء المتناقضة، هل يستطيع الإنسان أن يجزم بماهية الراية التي يقاتل تحتها؟، وهل يعلم مع من يقاتل، وهل يعرف الأهداف التي يقاتل من أجلها، فلا يعني التوق للشهادة عن طريق الجهاد أن تلقي بنفسك إلى التهلكة في حرب لا ناقة لك فيها، ولا جمل، أليس كذلك؟!

وعوداً على أقطاب التغرير، نؤكد أن الأسماء المحرضة على الجهاد هي ذاتها منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولم يتغير شيء في حياتهم، عدا عن الأحوال المادية، فقد أصبحوا من كبار الأثرياء، وأظنكم تعرفونهم جيدا، واحدا، واحدا، ونؤكد أن أيا من هؤلاء المحرضين لم يرسل أبناءه إلى الجهاد، ولا حتى أقرباءه من الدرجة الأولى، أو حتى العاشرة، ولا زال أبناء كثير من هؤلاء يتقلبون في النعيم داخل البلاد، وخارجها، لا للجهاد، ولكن للدراسة، والفسحة، والترفيه عن الذات، وعلى من يعرف ابنا واحدا لأقطاب التغرير ذهب إلى الجهاد، أن يتكرم مشكورا بإبلاغي، وأعدكم أن أكتب مقالاً مستقلاً أعتذر فيه عن كتابة هذا المقال!، ومن هنا فإننا نناشد هؤلاء المحرضين أن يتوقفوا عن إرسال أبناء الفقراء إلى الموت المجاني، في سبيل تحقيق غاياتهم السياسية، والتي يدفع هؤلاء الشباب حياتهم ثمناً لها، ولن يفعلوا؟!

ahmad.alfarraj@hotmail.com

تويتر @alfarraj2