وصل الرئيس الإيراني، حسن روحاني إلى مدينة نيويورك، وسط استقبال حافل، وغير مسبوق، حتَّى إنّه أصبح هو النجم الأوحد في محفل الأمم المتحدة، وطارت به وسائل الإعلام الأمريكية، والأوروبيَّة، والعالميَّة وتعاملوا معه كنجم جديد في الساحة السياسيَّة الدوليَّة، ولم يخيب فخامة الرئيس آمالهم، فقد أجاد لعب الدور المناط به باحترافية هائلة، ويبدو أنّه قد نال تدريبًا خاصًا بذلك، وقد ذكرتني تغطية قنوات التلفزيون الأمريكية لكلمته في الأمم المتحدة بتلك المناسبات الكبرى، مثل الأيام الأخيرة للانتخابات الأمريكية، وتغطية الحروب، وقد كان مريبًا أن يحدث هذا لرئيس دولة، تصنَّف على أنها عدو مبين للشيطان الأكبر!، وقد تحدث روحاني عن السَّلام، وعن إيران، تلك الدَّوْلة المسالمة، التي لا يكدر صفوها إلا تلك النزاعات الدوليَّة العبثية!!، ولم يقصر في توزيع الابتسامات، المرتبة سلفًا بشكل مهني جيد!.
روحاني وجّه مرافقيه، بما فيهم اليهودي الإيراني، السيد سبامك مره صدق، عضو البرلمان الإيراني، وجّههم بالتعاون مع وسائل الإعلام بكلِّ ما يطلب منهم!، ثمَّ حلّ هو ضيفًا على نجمة الإعلام الأمريكي، الصحافية البريطانية - الأمريكية من أصول إيرانية!، ومذيعة السي ان ان، السيدة كريشيان أمانبور، وهذه الصحافية المتألقة تتميز بأنها تنتمي إلى الديانات السماوية الثلاث، فوالدها إيراني مسلم، ووالدتها إنجليزية مسيحية، وزوجها يهودي أمريكي!، وقد كان لافتًا أنها خلال المقابلة لعبت - عفوًا أو قصدًا - دورين مختلفين، فمرة تتحدث مع روحاني، وهي ترمقه بعين المتشكك، والمرتاب، ومرة تنصت له بكلِّ طرب، وإعجاب!، وكان طريفًا أنها طلبت منه في نهاية اللقاء المترجم أن يقول شيئًا باللغة الإنجليزية، وبعد تردّد طويل، بحجة أنّه لم يتحدث بهذه اللغة منذ زمن بعيد، قال بلغة إنجليزية لا بأس بها: «أيها الشعب الأمريكي الصديق... جئت هنا لأعرض عليكم السَّلام، والصداقة»، فما يا ترى حقيقة هذا الزعيم الجديد؟!.
في تقديري أن الرئيس روحاني هو نسخة هادئة من نجاد، فكلاهما تخرج في أكاديمية الولي الفقيه، ولا يراودني شكّ بأنّ أفكارهما واحدة، ومواقفهما من كل قضايا إيران الإستراتيجية واحدة، سواء تعلّق الأمر بالبرنامج النووي، أو بعلاقات إيران الإقليميَّة، والدوليَّة، وخصوصًا مع دول الجوار الخليجيَّة، أيّ أنّهما يؤمنان بذات الأفكار، ولكن يعبّران عنها بطرق مختلفة، ومهما حاول المضلّلون أن يقولوا بغير ذلك، فإنَّ التاريخ يؤكّد أن كل زعماء إيران، ومنذ أكثر من ثلاثة عقود، كانوا - في الجوهر - نسخًا من بعضها، وما الاختلاف الذي يراه الناس إلا في القرب، والبعد من لغة السياسة!.
وعلى هامش زيارة روحاني لنيويورك، كان من المفترض أن يلتقي الرئيس أوباما.
هذا، ولكنه - كما قيل - لم يحضر حفل الغداء الذي كان سيقابل خلاله أوباما بحجة وجود خمور في ذلك الحفل، وهذه من الفرقعات الإعلامية، التي يلعب على وترها هذا النظام لكسب تأييد الشارعين، العربي، والإسلامي!، وقد تحدثا تلفونيًّا في وقت لاحق، ولا ندري من الذي رفع السماعة أولاً، وإن كانت الأخبار تؤكِّد أن أوباما صاحب المبادرة!، وخلاصة الحديث أن إيران، وأمريكا قد لا تكونان عدوين، وربما أن تقاربهما الكبير، والغزل الفاضح بينهما منذ أيام يؤكّد ما نقوله - دومًا- بأنهما ليسا عدوين، ولكنهما صديقان يجيدان اللعب السياسي بمهارة، فهل سيكون هذا التقارب على حساب دول الخليج، أم أنّه سيكون لمصلحة الجميع؟!، هذا ما يحتاج إلى مقال منفصل.!.