علاقة الفن بالأخلاق قديمة قدم أفلاطون نفسه، الذي نفى الفن والفنانين من مدينته الفاضلة بحجة أنهم يقدمون صورة ساذجة عن الواقع الحقيقي، وشنع بالخيال باعتباره أداة الشعراء والرسامين والبنائيين. ولكن هذه النظرة لم تدم طويلاً؛ فكل من جاء بعده أكد أهمية الفن في الحياة، وعده ضرورة من ضرورات الإنسان. وأول من اعترض على فلسفة أفلاطون تلميذه أرسطو الذي ألّف كتاباً في فن الشعر، وأسس لمفهوم الدراما بصورة بات معها كتابه ملهماً لكل الفنانين والنقاد والمؤرخين على مستوى العالم.
بقيت فلسفات أرسطو في الفن خالدة، وماتت فلسفات أفلاطون؛ لأن الأول تماهى مع قوانين الحياة، فيما عارضها الثاني، فالحق ما بقي، والزبد تذروه الرياح وتشتته بلا هوادة.
الفن الذي صوّرته بعض الخطابات الدينية ليس الفن الذي يحمل قيم الجمال، صوّرته شيئاً آخر يشبه (السذاجة) التي أطلقها أفلاطون على الشعراء، ولكن بمنطلقات مختلفة. بات الفن في نظرهم: “فساد، انحلال أخلاقي وعفن... إلخ”. علماً بأن هذه النظرة ليست هي الفن الذي يعرفه التاريخ والناس والعالم، وتدرسه كل الجامعات والمدارس، ما عدا بعض الجامعات والمدارس. هي صورة (مشوهة) تم تصديرها بهذا الشكل بقصد وبدون قصد لبعض الجامعات العربية.
وجود هذا النوع من الفن الذي تروج له بعض الخطابات الدينية هو نتيجة حتمية لغياب الفن الحقيقي الذي يجمل (مظهر الحياة)؛ فالمنزل والسيارة والشارع وناطحة السحاب والحدائق والملابس... لا تكون جميلة إلا بالفن؛ هو الذي يبث فيها هذه الروح فتبدو الحياة في نظرك فائقة الجمال. وإذا أردت مثالاً (صارخاً) فانظر إلى مستوى (جمال بعض المدارس)؛ لتعرف أن ثمة (تخلفاً) في مجال الفنون، وأنى لها ذلك وهي لا تدرس الفنون الجميلة أصلاً، وتخرّج أجيالاً لا تعرف من الفن إلا أنه تفسخ أخلاقي وحسب.
الفن هو “شعور الإنسان بإيقاع داخلي لمفردات العالم من حوله”، يثير البهجة والأمل والرقي. أما كيف يشعر بالإيقاع؟ إذا تخلص من المفاهيم المغلوطة عن الفن، وبات إنساناً يشعر بالآخرين، ودرس الفنون في كلية الفنون الجميلة.
وإذا لم يفهم (الإنسان) هذا الكلام نحيله إلى قول الشاعر:
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه
فليس حريا أن يقال له شعر
بهذا البيت ـ ربما ـ تكون الرسالة قد وصلت، فأمة الشعر تفهم ذلك، لكنها لا تفهم ولا تريد أن تفهم معنى الفن ووظيفته وحاجة الناس والإرهابيين له.