العيد بهجة النفس، وفرحة الروح، وانتشاء القلب، وهو زمن الانتقال من طور الخشوع والقنوت والصلوات إلى طور قصير يتجلى فيه الإنسان مستبشراً فرحاً جذلاً.
هو يوم السلام، وهو يوم الوفاء، وهو يوم الإخاء.
هو يوم البشر، وهو يوم السعادة.
وهو يوم الدعاء؛ حيث ترتفع الأكف مهلِّلة بالدعاء إلى رب السماء.
وما أحوجنا إلى أن نجعل جُلّ أيامنا أعياداً سعيدة، ما أحوجنا إلى أن نفهم معنى العيد فهماً سديداً، فنجدِّد نفوسنا ومشاعرنا وأحاسيسنا قبل أن نجدِّد ثيابنا ومتاعنا وآلاتنا.
يوم العيد هو يوم الملذات والمشهيات.
هو يوم التهاني الذي تعم فيه ألفاظ السرور والحبور والمرح فتبتهج النفوس، وتسعد القلوب.
وصفه الأديب الذائع مصطفى صادق الرافعي في كتابه الرائد (وحي القلم) فقال: (ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام، لا إشعارها بأن الأيام تتغير، وليس العيد للأمة إلا يوماً تعرض فيه جمال نظامها الاجتماعي، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع، يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام، لا القدرة على تغيير الثياب، كأنما العيد هو استراحة الأسلحة يوماً في شعبها الحزي.
وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مُستعلنةً للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.
وليس العيد إلا إبراز الكتلة الاجتماعية للأمة متميزةً بطابعها الشعبي، مفصولةً من الأجانب، لابسةً من عمل أيديها، معلنةً بعيدها استقلالين في وجودها وصناعتها، ظاهرةً بقوتين في إيمانها وطبيعتها، مبتهجةً بفرحين في دُورها وأسواقها، فكأن العيد يوم يفرح الشعب كله بخصائصه.
وليس العيد إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة في طريقها، وترك الصغار يلقون درسهم الطبيعي في حماسة الفرح والبهجة، ويعلمون كبارهم كيف توضع المعاني في بعض الألفاظ التي فرغت عندهم من معانيها، ويبصرونهم كيف ينبغي أن تعمل الصفات الإنسانية في الجموع عمل الحليف لحليفه، لا عمل المنابذ لمنابذه، فالعيد يوم تسلط العنصر الحي على نفسية الشعب.
وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف توجِّه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت، فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها الأمثلة، فتجعل للوطن عيداً مالياً اقتصادياً تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض، وتخترع للصناعة عيدها، وتُوجد للعلم عيده، وتبتدع للفن مجالي زينته، وبالجملة تنشئ لنفسها أياماً تعمل عمل القواد العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر.
هذه المعاني القوية هي التي من أجلها فُرض العيد ميراثاً دهرياً في الإسلام ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلة مما يُبدعه نشاط الأمة، ويحققه خيالها، وتقتضيه مصالحها.
وما أحسب الجمعة قد فُرضت على المسلمين عيداً أسبوعياً يُشترط فيه الخطيب والمنبر والمسجد الجامع إلا تهيئة لذلك المعنى وإعداداً له، ففي كل سبعة أيام مسلمة يوم يجيء فيُشعر الناس معنى القائد الحربي للشعب كله).
هذا، وقد درج الأدباء والشعراء على تهنئة بعضهم البعض بقدوم الأعياد، وكانت التهاني باباً من أبواب الشعر والنثر أبدع فيه المبدعون من الشعراء، وتفنَّن فيه المتفنِّنون من الأدباء. يقول أبو هلال العسكري في كتابه (ديوان المعاني) ما نصُّه وفحواه: (لم تكن التهاني من الأقسام التي كانت العرب تصوغ فيها شعراً، وإنما كانت أقسام الشعر في الجاهلية خمسة: المديح والهجاء والوصف والتشبب والمراثي، حتى زاد النابعة فيها قسماً سادساً، وهو الاعتذار، فأحسن فيه.. ولستُ أختار من التهاني بالأعياد على أبيات أشجع شيئاً: