| |
تَعَدُّد الزوجات وعمل المرأة عند المسلمين وعند غيرهم عبدالعزيز بن صالح العسكر /الدلم
|
|
تَعَدُّد الزَوْجات وعمل المرأة موضوعان متلازمان، ولا يمكن الحديث عن أحدهما دون الإشارة إلى الآخر، ولقد وجدت من أجود من كتب في هذا الموضوع الدكتور مصطفى السباعي، فقد تحدث بأسلوب واضح مقنع عن تعدّد الزوجات في الإسلام وشروطه وفوائده للفرد والمجتمع.. ثم أعقب ذلك بالحديث عن تعدّد الزوجات عند الغربيين (وبغير مسمى تعدّد الزوجات)، وبيَّنَ مخاطره وعيوبه وجنايته على الفرد والمجتمع. ولجمال وقوة وروعة أسلوبه وعرضه لهذا الموضوع أنقل سطوراً منه هنا. وقد أورد في كتابه (المرأة بين الفقه والقانون ص94 - 95) يقول رحمه الله تعالى: (وأين هذا من التعدد الواقع في حياة الغربيين حتى تحداهم أحد كُتَّابهم أن يكون أحدهم وهو على فراش الموت يُدْلي باعترافاته للكاهن، تَحَدَّاهم أن يكون فيهم واحد لا يعترف للكاهن بأنَّه اتصل بامرأة غير امرأته ولو مرة واحدة في حياته. - إنَّ هذا التعدد عند الغربيين واقع من غير قانون، بل واقع تحت سمع القانون وبصره، إنه لا يقع باسم الزوجات، ولكنه يقع باسم الصديقات والخليلات. - إنه ليس مقتصراً على أربع فحسب، بل هو إلى ما لا نهاية له من العدد. - إنه لا يقع علناً تفرح به الأسرة، ولكن سراً لا يعرف به أحد. - إنه لا يلزم صاحبه بأية مسؤولية مالية نحو النساء اللاتي يتصل بهن، بل حسبه أن يلوث شرفهن، ثم يتركهن للخزي والعار والفاقة وتحمل آلام الحمل والولادة غير المشروعة. - إنه لا يلزم صاحبه الاعتراف بما نتج عن هذا الاتصال من أولاد، بل يعتبرون غير شرعيين، يحملون على جباههم خزي السِّفاح ما عاشوا، لا يملكون أن يرفعوا بذلك رأساً. - إنه تعدد قانوني من غير أن يسمى تعدد الزوجات، خالٍ من كل تصرف أخلاقي أو يقظة وجدانية، أو شعور إنساني. - إنَّه تعدد تبعث عليه الشهوة والأنانية، ويفرُّ من تحمل كل مسؤولية). ويعقب السباعي بقوله: (فأي النظامين ألصق بالأخلاق، وأكبح للشهوة، وأكرم للمرأة، وأدل على الرقيّ، وأبر بالإنسانية)؟ وأقول: لقد ساق الكاتب سبعة فروق بين التعدد عند المسلمين وعند الغربيين ومنها - كما ورد في النص السابق - إن تعدد الخليلات والصديقات و(الزميلات) يكون بغير عدد، فللرجل أن يتخذ ما شاء من الخليلات والزميلات والصديقات بينما لا يجيز الإسلام للرجل أن يجمع أكثر من أربع زوجات في ذمته.. ومن تلك الفروق أنّ المرأة - مهما كانت - من ناحية السن والعلم والمكانة الاجتماعية ضحية (للتعدد) عند غير المسلمين، فضياع مستقبلها وفساد عرضها وتدنيس كرامتها شيء متحقّق.. أما المرأة التي يجتمع معها غيرها في ذمة زوج شرعي مسلم فلها مكانة خاصة وحقوق كاملة سواء استمرت معه أو فرق بينهما طلاق أو موت. ولقد ساق مصطفى السباعي - رحمه الله - قصة تحمل عبراً ودروساً من حياة غير المسلمين، وتدلُّ دلالة عميقة على سوء الحال وقبح المصير وفداحة الخسارة التي تنتظر المرأة في النظام الغربي والشرقي الذي لا يحكمه دين ولا خلق، يقول - رحمه الله: (نشرت مجلة حضارة الإسلام في المجلد الثاني ص364) ما يلي: (طلبت جوزبي الطلاق من زوجها في شهر العسل، ووقفت تبكي أمام القاضي وهي تروي له قصتها، قالت: لقد احتفلنا بزواجنا في الأسبوع الماضي، وقررنا أن نمضي شهر العسل على شاطئ البحر، ولكنني صدمت في اليوم التالي عندما وجدت فتاة شقراء جميلة تشاركنا في شهر العسل، لقد قال لي زوجي: إنها سكرتيرته الخاصة وأنه لا يستطيع أن يستغني عنها لحظة واحدة! ولم يكن ممكناً أن أحتمل وجود امرأة أخرى وهي تجلس أمام زوجي بالمايوه ليملي عليها خطاباته، ويمضي معها نصف شهر عسلي أنا...) وطلب القاضي من الزوج أن يختار بين الزوجة والسكرتيرة، فخرج من المحكمة وهو يتأبط ذراع سكرتيرته!.. (ص243). إنَّ هذه القصة لا تحتاج إلى شرح ولا تعليق، وهي من البلاغة بقدر لا يمكن لضعيف الفهم ومحدود الإدراك إلا أن يفهمها ويدرك مراميها.. ومن حق كل عاقل أن يسأل: ما الهدف الذي يقصده من يلحون في الطلب لتعيين سكرتيرات من النساء للرجال في مجتمعات ودول إسلامية، وما النتائج المرتقبة من وراء عمل المرأة متزينة متعطرة بين عدد من الرجال؟! إنها أسئلة نضعها أمام من يتحدثون عن تعدد الزوجات عند المسلمين بلهجة المنكر، وروح المحارب، وثقافة (المتحرِّر). وأنا أجزم بأن نداء العقل والفطرة ونتاج التجربة ودراسة التاريخ كل ذلك كفيل بجواب منصف يكون منطقه أنَّ ما شرعه موجد الإنسان وخالق الإنس والجان هو منتهى العدل والإنصاف، وهو الضمان الوحيد للمجتمع الذي يريد أن يعيش أفراده في أمان وسعادة لا يُكدِّرها عدوان معتدٍ ولا تهور أحمق ولا نزوة مستهتر.. ويكون الحكم في تحديد عمل المرأة هو شرع الله، فما لا يتعارض مع دينها وكرامتها ودورها في الحياة فهو عمل مشروع لا يمكن لأحد أن يمنعه أو يحرمه. فإذا حفظت المسلمة دينها وصانت عرضها وكرامتها، وأدت دورها الأساسي في الحياة زوجة وأماً فلها أن تعمل وتنتج وتكسب وتتعلم وتُعَلِّم.. وهي في كل ذلك تشعر بعزة لا تشعر بها المرأة الغربية، ومصدر تلك العزَّة هو الدين الخاتم الذي جعل لها حقوقاً واجبة على كل رجل ارتبطت به: أباً وزوجاً أو ولداً أن يؤديها.. كما أنّ الدين هو مصدر الأمان الذي تشعر به، فلا مجال للخوف على الحاضر أو المستقبل لأن الدِّين نظم ذلك كله.
Al-Delm190@Maktoob.Com
|
|
|
| |
|