لم أكن أعلم أن موعداً سيتجدد لي مع (أدب الإخوانيات) ذلك الأدب الجميل الذي ولد من رحم الأدب العربي، وأدب الإخوانيات يكاد يكون معدوماً في مكتباتنا العربية إلا من شيء يسير بل يندر في مكاتباتنا أو أن تقرأ نماذج منشورة منه في صفحات صحفنا السعودية إلا من شذرات قليلة.. ولقد كانت كتابة الرسائل الديوانية والإخوانية في أوائل حكم بني العباس جارية على نظام كتابتها في أواخر عهد بني أمية، وقد برز فيها عبدالحميد وابن المقفع والقاسم بن صبيح وعمارة بن حمزة ونظراؤهم وما يزيدها حسناً وبهاء مراعاتها لمقتضى الحال، وكان ذلك إلى أوائل القرن الرابع حتى أخذت الصناعات اللفظية تغلب عليها تدريجياً بتضاؤل ملكة البلاغة في الكتاب وتقاصر هممهم عن استيفاء أدائها لتغلب الأعاجم من الديلم البويهيين والترك السلجوقيين على سلطان الخلفاء في الشرق، وتغلب البربر على شمالي إفريقية والأندلس في الغرب. فلم يعد في الملوك والأمراء من يعنيهم أمر العربية وبلاغتها. وما زالت كذلك حتى سقطت الدولة العباسية على أيدي الأعاجم من التتار، فكان ذلك عصر ابتداء اضمحلال الكتابة واللغة.
وفي هذه الرسائل تظهر مشاعر الجانب الآخر، وتستلذ بمغازلة أحرف الشوق لمن يكاتبك كفانا أنا ندخل فيها جو المحبة والتصافي واستحضار ملكة اللغة بألفاظها ومعانيها ونعرض فيها من القصيد القوافي.. ولا سيما إذا جاءت الرسالة من شاعر يتكلم بلسان القلم.
والرسائل الإخوانية هي رسائل تدور بين الأحباب تسفر عن مكنون الوداد وسرائر الفؤاد، ولا حرج على الكاتب إذا بسط فيها الكلام عن أحواله، وأخفى السؤال في أحوال أصحابه، فيها الكاتب يطلق عنان قلمه ويتجافى عن الكلفة ويعدل عن الانقباض.. وقد قيل: (الأنس يذهب المهابة والانقباض يضيّع المودة)، وهنا علينا أن نراعي مقتضى الحال ونعتصم بركن الفطنة آخذاً بقول أبي الأسود الدؤلي:
وجميل أن نقرأ عبارات لكاتب شاعر يخاطب صديقاً له وهو يحاكي شاعراً تختلج صدره إزاء صفحة رائعة بكل المقاييس (أعني بها الجزيرة)، وهو يكتب بلون من ألوان الأدب المحمود.. ويبقى طرح هذا الكاتب نوعاً من التغيير المحبب للنفس..!
حقيقة رسالة وردتني عبر البريد الإلكتروني.. ما زالت تثير كوامن الاستغراب.. وتلقى بعدد من علامات الاستفهام على جمجمة مهشمة بصواعق نزف رائع غير مجهول!!
حقيقة هي رسالة اقتربتُ منها.. وعرفت مصدرها.. كلمات تسللت إلى بريدي بنية مشكورة.. وبخطوات محسوبة!!
ولي أن أنقل إليكم هذه الرسالة من قبيل عرض نموذج للرسائل الإخوانية - بعد أخذ الإذن من صاحبها - ولكم أعجبتني بحق رسالته.. وتملكني ذلك الأسلوب الرائع في عرضه ووصفه.. وارتأيت أن نقلها إلى قراء الرأي من قبيل (عرض نموذج تثقيفي للرسائل الإخوانية).. ولعل كاتبها يخرج عن صمته المطبق ويكتب على هذه الصفحات معلناً عن افتتاحيته للتواصل مع صحيفتنا المحببة الجزيرة عبر هذه الرسائل الشاردة في زحمة الرسائل الإلكترونية، فلعله ينتهض قلمه للكتابة في الجزيرة سيدة صحف المملكة بلا منازع!!
الأخ الفاضل أبو راكان سليمان العقيلي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد:
لقد حجبت أجواء النهار وأفياء الربيع من مدينتا ومرتع صبانا واحة المذنب الخضراء أقرأ صفحة العزيزة.. مع أن الهواء الطلق يقلب صفحات الجزيرة أمامي، ولكن ألا تعذر المشتاق في أشواقه، وقد بعد عن واحته وذكرياته الجميلة مع تقديري للعزيزة ولكن كما قيل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى |
فقد بدا لي كأن علة غيابك عن أن تصحبنا في روابي وهضاب واحتنا بأن حجبت كل واحد منا رؤية الآخر الهيام بحبيبه، حيث أسرك شاطئ العزيزة والرأي بزوارقه ومراكبه، وأسرني مطل (خرطم) بواحتنا، فقد سحر المنظر البديع عيني من عليه، وأذهلت عقلي البساتين اليانعة والنخيل الباسقات في (واحة المذنب)، فيسرح خيالي وسافرت مشاعري حتى كاد القلم ليرسمها بل شكلها لك عبر هذه الرسالة لتسافر إلى ربّان العزيزة.
ولم أكن بمنأى عن البحر.. لكن (بر) واحتي وروابيها كان بعيداً عن (بحر) الجزيرة وشاطئها.. وإن كانت أمواج الجزيرة لها اضطراب.. فقد رتبت موعدي مع شواطئها العزيزة.. في ليلة السمر لأنصف المتعة بينهما.. فها أنذا أسامرها وقد ابتسمت للتعقيب الزائر.. وأشاح عن الحجاب.. وقبلت منه بقوله.. ليس للبواخر أمتعة وبضائع هنا، فهي للمراكب لتجول في الشاطئ، حيث إن البواخر لها مرسى آخر من بحر الجزيرة.. ولا تنس أخيراً (فيحان القصيم - المذنب) ومكانته عندي.
فيصل بن محمد العبودي - الرياض) انتهت رسالته.
** حقيقة ما أجمل الكلمات حينما تسافر عبر قلوبنا.. وحينما تغالب سمو المشاعر.. وتنحني إلى ركن مفعم بالوصف الرائع وتحتكر أسلوب المكاتبة الأدبية.. حقاً تغمر وجوهنا المودة.. والمسرات ونخنق عندها عبارات الحزن والكلل، ونكتب إلى صحيفتنا الجزيرة.. ونحن ندرك هدفنا الأسمى الفائدة والاستفادة من عرض نماذج أدبية سامية!!
والحقيقة لي أن أقول: يا عزيزي فيصل.. وصفك بارع في اصطياد فكرة الحدث وتوأمتها مع حالنا في الرأي!! وحديثك عن غاليتي (المذنب والجزيرة).. حديث تمكن من قلبي واستحوذ على ركن ذاكرتي..!!
أخي لقد تأثرت كثيراً برسالتك وإني أعدّها في الواقع هدية ثناء لمحافظتي الغالية أعتز بها، فليس في هذه الدنيا من إنسان إلا وتشده وتأسره تلك اللفتات الصادقة المهذبة.. إذ (الوفاء للقلوب وللوطن) هو في تصوري أروع وأسمى ما ترصع به الإنسانية تيجانها وتزين بها سيرتها وتاريخها، ومما يزيد من أهمية هذا الوفاء هو بعد المكان!
وحديثك عن محافظتك - مسقط رأسك - وعني هو صدى خلقك الفاضل وأدبك الرفيع، ولقد سبقتني بالسؤال عني وصاحب السبق له الفضل ولكن:
عزيزي: نحن في الظاهر على افتراق، وفي الباطن على تلاقٍ، وإن كنا في النسبة متباينين، إلا أننا في المعنى متواصلون، ولئن تفارقت الأشباح فلقد تعانقت الأرواح!!
ألا ترى أن مواسمك اليوم ممطرة.. ومخضرّة.. عبر جزيرتنا.. شئت أم أبيت!!
فهاكِ عباراتك الرائعة، وقد زينت جزيرتنا.. وبعدها بأيام - بمشيئة الله - ستطرز صفحات الرأي والعزيزة وتطرّسها بكلماتك الرائعة.. فأنت من أبناء المحافظة الأوفياء ومن شعرائها الفصحاء.. والآن هل فكرت أن تكتب لنا عبر الجزيرة.. كما هي رسالتك الرائعة هذه؟! حاول فنحن بانتظارك!!
إضاءة
كأني بالأخ فيصل ولسان حاله يقول:
ولكن أقول له:
ألم تسمع بالمثل القائل (سر وقمر لك) فما هو إلا اغتنام للفرص.. لأقول لك:
الشعر عندك تصوير وخيال، ألم تسمع بالشاعر الذي يقول:
بُغاة المعالي كيف تبنى المكارم |
صاحب الرسالة: الشاعر الناقد فيصل بن محمد العبودي من أبناء محافظة المذنب..
هو ذاك الشاب الطموح الذي سبح كثيراً في فضاءات الشعر وكتب محاولات شعرية رائعة تمخضت عن حب وولاء لمحافظته.. أدعو له بالتوفيق وأهمس في أذنه هذه الرسالة الشعرية:
فاكتب لنا في الرأي عاطفتك الذائبة، أو فكرتك المتوقدة، أو خاطرتك العميقة، واسكبها لنا في قالب شعري موزون رصين وسنكون لك من الشاكرين!!
معلم بمتوسطة صقلية - المذنب ص ب 25 الرمز 51931
aborakan8@hotmail.com |