| |
أنت وطني والخمسون ياردة الأخيرة م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
|
|
أحب وطني.. وأحب رمزه الملك.. أحب ولاة أمره ومسؤوليه والقائمين عليه.. وأحب شعبه فرداً فرداً.. وأظن أن هذه هي مشاعر كل أفراد وطني ذكوراً وإناثاً.. ولِمَ لا وقد حقق هذا الوطن لنا ولآبائنا من قبلنا حياة لم تعرف الكوارث ولا الأوبئة ولا الحروب ولا الفقر ولا العوز.. وحوّل شعبه من شعب عُرف عبر التاريخ بالبداوة والفقر والترحال لطلب الرزق.. إلى شعب يغبطه أشقاؤه وجيرانه.. ويتمنون لو كانوا معه أو مكانه.. وحوّل أرضه من أرض طاردة لأبنائها بسبب تصحرها وقحلها والحروب والغزوات بين قبائلها إلى أرض تحتضن مجتمعاً حقق أعلى نمو سكاني في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية.. وحقق طفرة عالية قياسية في بنيته التحتية.. وها هو اليوم يَعِدُ بطفرة أخرى.. أوسع انتشاراً وأعمق تأثيراً وأقوى فعالية. آه يا بلادي.. كم أنا سعيد أن تحولت النظرة إليك وإلى أبنائك من نظرة إشفاق إلى نظرة تتنازعها مشاعر الغبطة من أصدقائنا والحسد والطمع من أعدائنا.. وتحولنا من بلد ينزح منه أبناؤه بحثاً عن الرزق إلى بلد جاذب لطالبي العمل.. وتحول أهله من مجتمع يعتمد على معونات أشقائه وجيرانه وتحويلات أبنائه المهاجرين للعمل إلى مجتمع مانح والحمد لله على ذلك حمداً كثيراً. إذا كان هذا كله حقيقة واقعة.. فلماذا نحن وجلون؟!.. وما الذي يدفعني وغيري إلى أن نتوتر خوفاً من المستقبل؟. لا شك أن السبب ليس الحاجة بل الخوف من أن تضيع تلك الفرص الكبيرة.. ثم نقعد بعدها نادمين.. فحينما تعلن هيئة المدن الصناعية أن المستثمرين الراغبين في العمل في صناعية سدير قد انخفض عددهم من (400) إلى (70) فهذا مؤشر على خلل.. وحينما تعلن وزارة التربية والتعليم أنها لم تحقق سوى نسبة ضئيلة مما خططت لإنجازه من مشاريع مباني المدارس في عام (2006م) فهذا مؤشر آخر على وجود مشكلة.. وحينما ينهار سوق الأسهم اليوم التالي لإعلان الميزانية.. فهذه مشكلة أخرى.. وحينما يكون أحد أكبر اعتراضات منظمة التجارة العالمية على بلادنا أنه ليس لدينا نظام وقانون مكتوب فهذه أخرى.. وحينما تُرتِّب هيئة دولية جامعاتنا في ذيل القائمة فهذه مشكلة كبيرة.. وحينما تقرأ في الصحف وترى من خلال الإنترنت فيلم غزوة مسرح كلية اليمامة فهذا يثير سؤالاً ملحاً: إلى أين نحن ذاهبون؟.. وحينما يخرج أحد قيادات (فريق المناصحة) في التلفزيون مبرراً تلك الغزوة فهذا شيء يتجاوز نطاق التفكير فيما نحن إليه ذاهبون.. وحينما وحينما وحينما.. مؤشرات كثيرة.. أعرف أن كثيرين منكم لديهم مؤشرات أخرى وأعرف أن باب المزايدة مفتوح. نحن يا وطني في حاجة إلى أن يكون العامان القادمان عامي (الخمسين ياردة الأخيرة).. كما يقول المهتمون بألعاب القوى.. فالخمسون ياردة الأخيرة من السباق هي التي يعطي فيها المتسابقون أقصى ما عندهم.. فنحن اليوم لسنا في بداية السباق حيث يجب وزن السرعة مع التحمل وتوزيع الجهد على المسافة.. نحن جاهزون لكل هذا.. فما تم إنجازه في الطفرة الأولى يعتبر إنجازاً عظيماً.. حوّلنا إلى عملاق حقيقي لكنه عملاق مسترخٍ.. بل إنه من فرط استرخائه بدأ بالتفكير وبالعمل في أشياء لا تخصه.. في بلدان بعيدة عنه.. أخافت العالم منا. نحن يا وطني نريد أن ننطلق في بنائك بأقصى قدرتنا وسرعتنا وطاقتنا.. ثم نسلمك لأبنائنا بعد أن نكون قد قطعنا طريق التنمية بسرعة الخمسين ياردة الأخيرة.. وحينها تكون يا وطني لست جاهزاً للانطلاق فحسب بل تكون قد انطلقت فعلاً حتى ينافس أبناؤنا أبناء العالم في ملعب الحياة. نحن يا وطني لا نريد أن نكون مجتمعاً ينوح على نفسه ويندب حظه ويلقي بتبعات مشاكله على الأجيال السابقة.. ولا أن نكون جيلاً يحيل مشاكله وأوجاعه إلى الأجيال القادمة بمضاعفات تراكمية تحول حياتهم إلى نكد ومستقبلهم إلى مستحيل. نحن يا وطني نعلم أننا في أيدٍ أمينة.. وأن من يرعى شؤوننا من مسؤولين حكوميين فيهم الحرص والكفاءة.. ولكن الذي نخشاه أن يغلب الحرص على الكفاءة وتغلب مكافحة السلبي على تعزيز الإيجابي.. وتعطل التنمية تحت مسببات أو مبررات تُحرِّم تسعة أعشار الحلال خوفاً من الوقوع في عُشْر الحرام.
|
|
|
| |
|