| |
همسة في أُذن القصيبي .. ولكن السعودة ليست ترضية اجتماعية د. صالح بن سبعان
|
|
حتى نُفهم على النحو الصحيح دعنا نسجل لوزارة العمل صوت إشادة على قرارها بإيقاف الاستقدام عن (129) منشأة لمدة سنتين، لأنها لم تحقق نسبة السعودة المطلوبة، وعدم تسجيلها أي سعودي في التأمينات الاجتماعية. علَّ قرارات مثل هذه تردع من يتجاوز قرارات الدولة الإستراتيجية. والأمر هنا يخص قرار مجلس الوزراء رقم (50) الصادر بتاريخ 21- 4-1415هـ. فنحن هنا نتحدث عن قرار لم يصدر أمس ولا قبل عشرة أعوام بل (17) عاماً لم يهد الله خلالها المسؤولين بهذه المنشآت لتطبيقه. ولا تعلم هل هي استهانة، أم أن غياب المتابعة وتغييب مبدأ المحاسبة هو السبب، أم هي سياسة (مد الحبل) التي جعلت هؤلاء يتجاهلون القرار، أم أن السبب يكمن في وزارة العمل التي جمدت العمل على تنفيذ القرار رغم أهميته لسبب أو آخر؟. على كل حال، وأياً كانت الأسباب التي عطلت تنفيذ القرار، وأياً كانت الأسباب التي جعلت الوزارة تلتفت إليه، بعد كل هذه السنوات التي شارف عمر من عاصروا إصداره وكانوا على أبواب العمل على الأربعينات وتجاوزها بعضهم، فإن المرء لا يسعه إلا الإشادة بهذه الخطوة الجريئة في حسمها. إلا أن المرء - كذلك - لا يسعه المرور بالقرار الوزاري والإجراء الذي قامت به وزارة العمل مرور الكرام. فمنذ لحظة صدور القرار رقم (50) وإلى هذه اللحظة جرت مياه كثيرة تحت الجسر، ويمكنك أن تعد وتحصي كم ندوة وورشة عمل وكم لجنة رافقتها، كم دراسة واستطلاع وبحث وأوراق عمل وتوصيات وقرارات ونتائج خُلِصَ إليها؟!. ستجد أن العديد من الرؤى والأفكار والحقائق أضيفت إلى تلك التي بلورت قناعات نتج عنها القرار. ونستطيع أن نوجز مستجدات الأفكار والقناعات الجديدة في الآتي: 1 - إن السعودة ليست ترضية اجتماعية، وإنها كترضية - إذا ما نظر إليها هكذا - ستترتب عليها أضرار أكثر من فوائدها، وقد عبر رجال الأعمال في العديد من المناسبات واللقاءات التي عقدتها الغرف التجارية الصناعية عن شكواهم من القرارات الفوقية التي تفرض السعودة دون دراسات واقعية لاحتياجات سوق العمل ومؤسسات القطاع الخاص الفعلية. 2 - إن السعودة مسؤولية اجتماعية وعلى القطاع الخاص أن يتحمل دوره كاملاً في هذه المسؤولية حيث إنه يستأثر بأكثر من (90) بالمائة من وظائف سوق العمل. 3 - وبما أن الأمر كذلك فإننا في حاجة إلى مراجعة نظام التعليم عندنا لتكون مخرجاته في مستوى احتياجات سوق العمل. وقد قلت في أكثر من دراسة ولقاء بأن المدخل الصحيح لهذه العملية إنما يتم عن طريق تجسير الفجوة بين هذه المخرجات واحتياجات سوق العمل، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتم ما لم يصبح القطاع الخاص نفسه، عبر قنواته النظامية، جزءاً لا يتجزأ وشريكاً أصيلاً في العملية التعليمية بمختلف أنواعها ومستوياتها. لأن الجامعات لا تخرج موظفين، وإنما تخرج خامات يعمل التدريب على تأهيلها للتوظيف في سوق العمل. وبالعودة إلى قرار وزارة العمل بإيقاف 129 منشأة عن الاستقدام لمدة سنتين، ومع وقوفنا مع هذه الخطوة من ناحية مبدئية، إلا أننا نلاحظ بأن أغلب - إن لم يكن كل - هذه المنشآت تعمل في قطاعات ومجالات بينها وبين المواطن السعودي، أو قطاع كبير منه، حاجز أو حواجز اجتماعية ونفسية. فماذا سيشتغل السعودي في شركة مقاولات وتشييد، أو في شركة ليموزين أو النقليات أو الملابس الجاهزة، أو مصنع للوسائد والشراشف أو الصيانة والتشغيل أو الذهب؟!. هل بالفعل هذه هي القطاعات والأعمال والوظائف التي يزاحم فيها الوافدون أبناء الوطن ويتكدس العاطلون منهم بحثاً عن فرص شغلها؟ لو أننا أمعنا النظر جيداً سنجد النسبة الأعلى في العطالة هي بين الجامعيين. وبما أن الجامعي أو خريج المعاهد هو الذي تصرف الدولة أكثر على تعليمه وتأهيله، فإنه الأولى والأحق بالتفات الدولة والقطاع الخاص بتدريبه وتأهيله لينخرط في سوق العمل. وأعرف شخصياً العديد من الشبان ممن تخرجوا من كليات علمية وفي تخصصات تعتبر نادرة، لم يجدوا فرصة للعمل في مجال تخصصهم، فاتجهوا للتوظيف في وظائف لا علاقة لها بشهاداتهم، ومنهم من لو اتجه بتخصصه لدول أخرى لتم استيعابه، إلا أن السعودي بطبعه (بيتوتي) ولا يطيق مفارقة الأرض و(الربع) حتى في سنوات الفقر والقحط السابقة لم (يهج) مغترباً، ولكنه ظل صابراً وصامداً ومرابطاً. إذن فالمنطق يجعلنا نلتفت إلى الأولويات من جديد. ومسألة التدريب والتأهيل للانخراط في سوق العمل بالنسبة لخريجي الجامعات والمعاهد والثانويات هي مسؤولية القطاع الخاص بالدرجة الأولى. فالمملكة العربية السعودية تكاد تكون أكبر سوق للتدريب والتأهيل - مدفوع الأجر- في العالم. تأتي إليها عطالة -في بلدانها - فتلتحق بالعمل وتتدرب على أحدث نظم وتقنيات العمل هنا -في مختلف المجالات- وتأخذ أجراً على هذا التدريب والتأهيل الذي تحظى به في مؤسساتنا حتى إذا ما عادت إلى بلدانها أو شدت رحالها إلى بلدان أخرى -في عداد الدول المتقدمة- حظيت بالأولوية في فرص العمل. بل إن بعض الدول تعطي الأولوية والأسبقية في التوظيف لخريجي معهد سوق العمل السعودي التدريبي لأنهم الأكثر تأهيلاً وعلى أحدث التقنيات. وقضية العقودات التي هبطت من دول أوروبية على ممرضات مستشفياتنا الحكومية ليست ببعيدة عن الأذهان. فإذا كان قطاعنا الخاص يستطيع الصبر على العمالة الوافدة حتى تتدرب ويصرف على تدريبه لها سنوات حتى تتأهل، فما الذي يمنعه من أن يفعل الشيء نفسه للمواطن وهو أحق من غيره بهذه الفرص؟! رجال الأعمال قالوا كلمتهم أكثر من مرة بأن الشاب السعودي ليس له صبر الوافد على التدريب ولا يقنعه ما يدفع للوافد. وستجد شيئاً من الوجاهة في كلا الرأيين أو وجهتي نظر الشباب ورجال الأعمال وكلاهما منطقيان إلى حد ما. هل يتراءى لك أن المشكلة معقدة ولا حل لها؟ على السطح قد تبدو كذلك ولكنها في الواقع (محلولة). وحلها هو أن نتدارس ما قاله الخبراء والباحثون ورجال الأعمال، ويمكننا أن نزيح جانباً التوصيات ونركز بحثنا في الحقائق والوقائع المجردة وندرسها بموضوعية، سنجد بشيء من الاجتهاد الحل بين أيدينا. وقد اقترحت من قبل في ورقة عمل بعنوان تجسير الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل عقد مؤتمر وطني موسع تشارك فيه كل الجهات ذات الصلة، وهي كثيرة جداً، وأن تنبثق عنه أمانة ولجنة متابعة دائمتان لأن المشكلة كبيرة ومعقدة ولا يمكن حلها بين سنة وسنتين. وإذن.. مع تقديرنا التام واحترمنا لخطوة وزارة العمل، إلا أننا نهمس في أذن مسئوليها: تذكروا سعودة الليموزين وما صاحبها وإلى أين آلت، وتذكروا سعودة سوق الذهب وما نتج عنها، وتذكروا سعودة حلقات الخضار وحملات الجوازات التي صاحبتها ومردودها. ومن هذه القرارات تذكروا (نسونة وسعودة) الأسواق النسوية وأين هي؟! ونقول لهم: فعِّلوا القرارات وتابعوا تنفيذها بحسم وصرامة، ولكننا ننتظر منكم أن تبادروا إلى الدعوة لمناقشة أوسع وأعمق وأشمل لمشكلة السعودة، بشيء من التروي والتأني الرصين. وفقكم الله.
أكاديمي وكاتب سعودي
dr-binsabaan@hotmail.com |
|
|
| |
|