| |
كلمة رثاء في أبي الغالي حجي بن محمد الشايع / الرياض
|
|
في مثل هذه الأوقاف من الأسبوع الماضي وبالتحديد الساعة العاشرة من مساء يوم الجمعة الموافق 10-11-1427هـ افتقدنا أعز إنسان لدينا، ولا أبالغ إذا ما قلت افتقدت محافظة الزلفي بأكملها أزهد إنسان فيها قلما أن يوجد له مثيل في هذا الزمان الذي طغت عليه الماديات، إنه والدي ووالد الجميع محمد بن حجي دخيل الشايع رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجعل الفردوس الأعلى مقامه ومآله. في مثل تلك اللحظات الحزينة اختلطت علينا دموع الحزن على فراقه ودموع الفرح على تلك الخاتمة التي أرجو من الله أن تكون عاقبتها الجنة والفردوس الأعلى فيها. كم كانت الدموع تسيل والعبرات تنكسر ونحن نشاهده في غرفة العناية المركزة في آخر حياته وقد أخذ منه المرض كل مأخذ وما زال صابراً محتسباً مهللاً مكبراً لا يقدم لأحد شكوى ولا يطلب إلا من خالقه العزيز الأقوى. كان رحمه الله طيلة حياته التي ناهزت التسعين عاماً مدرسة في الزهد والورع والتقى والعفاف لم يكن يأبه إلى ما في أيدي الناس وإن عظم بل كان شعاره القناعة في كل شيء إلا في أمور دينه وعلاقته بخالقه سبحانه وتعالى ووالله إنه طيلة حياته لم يكن يفرق بين فئات العملة وأنواعها فما بالك أن يهتم بجمع حطامها. ولعل مما يدل على تركه الدنيا وانصرافه التام عنها أنهم ألحوا عليه بالتجارة في ريعان شبابه رحمه الله تعالى وحينما مارسها وباع كما يروي بعض أقرانه قرابة الريال تركها وقال تجارة تلهي ومال يطغى يغنيني عنه ربي. بل إنه كان يتعجب ويستكثر على من يشغل وقت رمضان ولياليه بالتجارة ويقول أحد عشر شهراً ألا تتكفل بمصاريف شهر واحد لكي يتفرغ المرء للعبادة بدل أن يضيع أثمن الأوقات وأنفسها في جمع حطام زائل. اشتغل بالزراعة وحفر بئراً وكانت من أعذب المياه - على الرغم من تثبيط بعضهم له - اشتهرت في ذلك الوقت باسمه، ألحوا عليه ببيع الماء ولو على الأقل لتغطيته مصاريف إخراجها لاسيما أنه كان في حاجة ماسة لذلك لكنه رفض وبشدة وقال احتسبه عند ربي لا حرمه الله منها، وكان يردد (هنيك يا مسقي الماء لو كانت رجليك بالماء). ولقد كنت أجاهد أن أقنعه في إحضار الصحف اليومية إلى المنزل وهو يحاول إقناعي بعدم جدواها لوجود صور فيها، ويقول والله لو أنفقت قيمتها لكان أعظم لك نفعاً، ولم يقتنع إلا بعد سؤال فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين عليه رحمة الله آنذاك وتوجيهه على طمس الصور وعدم إهانتها. وقد حرص رحمه الله تعالى على طمس الصور فيها وفي غيرها امتثالاً لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك. وكذلك مواقفه القوية من التلفزيون والمعازف وبعض الألعاب الرياضية. ولعلي هنا أذكر من المواقف التي تدل على طيبته وبراءته وحرصه على الخير للغير أنه كان يطالب أن يتوقف الجميع في الطرقات لأداء الصلوات ومن ثم كل يذهب لحاجته، وكان يقول أهل المقابر ماتوا ولم تقض حوائجهم وكان يردد علينا بعض المواعظ ويقول إن هناك رجلاً من السلف الصالح كان يبكي فأتاه آخر فقال ما يبكيك فقال سرق مالي كله، فما كان جوابه إلا أن قال هانت ظننت أنها فاتتك تكبيرة الإحرام. كان رحمه الله تعالى يجبرنا مهما تعاظمت الأمور على تعطيلها بمجرد سماع الأذان. رحمك الله يا من أحبك الجميع بلا استثناء وصلى عليك الجميع بلا استثناء أحبوك لزهدك وورعك وطيبتك ونصحك وإرشادك أحبك الصغار لأنك كنت الأب الرحيم لهم وأحبك الكبار لأنك كنت نعم الموجه الناصح الواعظ والخائف عليهم. زهدت بالدنيا وملذاتها وكانت همتك أسمى وأعلى إنها الآخرة وما فيها. رحمك الله يا من أسرت القلوب عند رؤيتك حياً وأسلت الدموع على فراقك ميتاً. رحمك الله يا صاحب القلب الأبيض واليد الحانية والوجه البشوش يا من لا يوجد لك أعداء فقد كثر محبوك حتى ممن لا يعرفونك إلا بسيرتك العطرة وسمعتك العالية. رحمك الله يا أبي وأسكنك فسيح جناته وأعظم أجرك وجعل ما أصابك في هذه الدنيا تمحيصاً لذنوبك ورفعة لدرجاتك في الفردوس الأعلى من الجنة. وجبر الله مصابنا ومصابك (أم عبدالرحمن) وأطال الله في عمرك يا من كنت له السند والعون والزوجة الوفية الحنون وجمعك وإيانا معه والمسلمين في الفردوس الأعلى، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وخالقنا فإنا لله وإنا إليه راجعون، وخير وصية أوصيك بها وصية خير البشر عليه أفضل الصلاة والتسليم لأم سلمه حينما فقدت زوجها (إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها). وجزى الله خيراً كل من واسانا وعزانا في فقيدنا وفقيدهم الغالي، لا أراهم الله مكروهاً في عزيز لديهم وجعل ذلك في موازين أعمالهم يوم لقائه إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|
|
|
| |
|