| |
حديث الأسبوع (الحج) فرصة للتداوي بالإيمان د. محمد غياث التركماني
|
|
في مثل هذه الأيام المباركة، يتدافع المسلمون إلى بيت الله الحرام بكل نشاط وحماس لتأدية فريضة الحج، وهم يهلّلون ويكبّرون (لبّيك اللّهم لبّيك). المناسبة عظيمة وزاخرة بالمعاني، فعيد الأضحى مناسبة جليلة تذكرنا ببلاء عظيم. بلاء سيدنا الخليل (إبراهيم) الذي أراد أن يذبح ولده (إسماعيل) طاعة لله واستجابة لأمره. فإذا بهذه الحادثة تبدو أبلغ درسٍ يحتاج إليه الإنسان في حياته. بل لعلّها أول فضيلةٍ لا تتم إنسانية الإنسان إلا بها، إنها فضيلة التضحية، فإذا كانت التضحية على هذه الصورة فوق ما يحتمله بشر، فإن القرآن الكريم قد ذكرها بأقصاها لتهون على الإنسان بأدناها كالتضحية بالمال أو الجاه أو الوظيفة أو السلطان. الحج لبيت الله الحرام يحدث في نفس المؤمن تغيرات جذرية، فإذا هو إنسان جديد بإحساس جديد، ونفسية جديدة، وهذا مصداقٌ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من حجّ، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه). فالحج يفتح أبواب الأمل أمام المتعبين والمذنبين. ويدفع بالإنسان إلى استئناف حياته من جديد بعدما أثقلت وجدانه الأخطاء والآثام، وملأت قلبه الآلام والأحزان، وكأنما هو طفل صغير لم يعرف ذنباً ولم يرتكب خطأً. ولم يجنِ إثماً ليستأنف حياته إنساناً طاهراً ونقياً يعيش للخير ويعمل لبناء الحياة على أسس أخلاقية قيّمة، إنساناً متحرراً من عبودية المادة والشهوة والشر والنزوات المدمّرة. وهنا يحضرني قول الطبيب الفرنسي (الكسي كاريل) في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) مفاده: (إن أكبر الأطباء النفسانيين لا يمكنه أن يحقق للإنسان جزءاً بسيطاً من الراحة والتوازن النفسي والعقلي والصحي مما تحققه العبادة الخالصة كالصلاة مثلاً). فإذا كانت الدراسات العلمية تؤكد أن العبادة تساعد على شفاء النفس البشرية فكيف بالحج وهو في مجموعه عبادة وصلوات وركن من أركان الإسلام تقّرب الإنسان من ربه وتجعله أكثر التصاقاً به واستغراقاً في عبادته حتى تصبح كل خطوة من خطوات الحج، وكل هرولة، وكل حركة تسبيح أو دعاء لله عز وجل. هذا هو الشفاء التام من أمراض النفس، وما أكثرها... بل لعله دواء الإيمان الذي يحتاج إليه إنسان هذا العصر الطافح بالمشاكل والعقد حتى يشفى من أمراضه، ولا يحصل على هذا الدواء إلا برحلة خالصة لوجه الله يستعيد فيها إحساسه بالطمأنينة والراحة النفسية العميقة والسكينة. ولعيد الأضحى معاني أخرى أيضاً. ففي هذا العيد تزخر النفس المؤمنة بفيض من الطيبة، وتجتاز امتحاناً عصيباً في الطاعات، ذلك أن الطبقات تذوب في مناسك الحج وتسود المساواة وتنتفي الأجناس والألوان أمام فكرة الوحدانية لله خالق كل شيء، وتتحرر الأنفس من كل الانقسامات والرتب والفوارق، وهل هناك أروع من مشهد الجماعة المؤمنة وهي تطوف حول الكعبة المشرّفة، تكبّر معاً، وتهلّل معاً، والكل بثياب الإحرام. حوارهم تسبيح وتأمل وطاعة وتعظيم لخالقهم، وشعارهم واحد ونداؤهم واحد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك). استودعكم الله وكل عام وأنتم بخير.
|
|
|
| |
|