| |
رغم الأخبار الإيجابية.. سوق الأسهم مُصرّ على تعكير صفو المساهمين صناع السوق والسيولة.. من ينتظر من؟!
|
|
* د. حسن الشقطي * عانى سوق الأسهم هذا الأسبوع اضطراباً جديداً، فبعد صعود قوي لثلاثة أيام وصل بالمؤشر إلى مستوى 8248 نقطة، انحدر المؤشر بذات القوة ليزور 7865 نقطة مرة أخرى، والغريب في هذا النزول هذه المرة أنه يحدث متزامناً مع الأخبار الإيجابية الكبيرة عن الاقتصاد الوطني والتي تم الإعلان عنها الاثنين الماضي بخصوص الفائض الضخم في نتائج ميزانية العام الحالي واستمرار الإنفاق الكبير في ميزانية العام الجديد، هذه الأخبار كان ينتظر أن تعزز صعود المؤشر خلال اليومين الأخيرين من تداولات هذا الأسبوع. إلا إن ذلك لم يحدث... بل جاءت النتائج على غير المتوقع تماماً، فانكسار، ثم سقوط إلى ما دون الـ 8000 نقطة، فماذا حدث؟ وهل بالفعل المضاربات هي التي قادت إلى سقوط المؤشر في عز التفاؤل؟ وهل أصبح بالفعل السوق طارداً للهواة؟ وهل فعلاً اقترب أوان انتهاء التصحيح القاسي للسوق؟ رغم الأخبار الإيجابية... السوق يقترب من أدنى نقاطه... رغم كل التفاؤل ورغم سعادة الغامرة بأكبر ميزانية في التاريخ الاقتصادي للمملكة، إلا إن سوق الأسهم على ما يبدو مصر على تعكير صفو المساهمين، حيث إن المؤشر رغم صعوده وستعداده حتى قبل صدور الأخبار الطيبة عن الميزانية، سقط في أول يوم بعد صدور الأخبار الجديدة (الثلاثاء) ليخسر 357 نقطة أي ما يعادل نسبة 4.3%، تلاه خسارة طفيفة أخرى في اليوم الثاني (الأربعاء) ليخسر 25 نقطة أي ما يعادل 0.32%، بالتحديد، فقد خسر المؤشر بإغلاقه عند 7865 نقطة هذا الأسبوع حوالي 85 نقطة أي حوالي 1.07% من قيمته. بل ما يثير القلق أن المؤشر رغم إغلاقه عند 7865 نقطة، إلا إنه انحدر إلى مستوى 7651 نقطة لتصبح أدنى قاع له خلال هذا الأسبوع كما يوضح الجدول المرفق. قطاعات المضاربة ليس جديداً أن نرى معظم القطاعات السوقية خاسرة في ظل تراجع المؤشر في نهاية هذا الأسبوع، ولكن الجديد أن نرى قطاعي الزراعة والخدمات هما القطاعان الوحيدان اللذان يحققان صعوداً في النزول، حيث ربح القطاع الزراعي ما نسبته 10% وقطاع الخدمات 3% هذا الأسبوع، فهل تمتلك أسهم تلك القطاعات أخباراً ومعلومات إيجابية لا تمتلكها أفضل شركات العوائد في السوق؟ أم أن هذه القطاعات هي فقط التي استجابت لأخبار الميزانية دونما بقية الشركات في السوق؟ بالطبع الإجابة بالنفي على تلك التساؤلات... لأن صعود تلك القطاعات لم يحدث بعد أخبار الميزانية، بل هي انحدرت بمعدلات كبيرة تفوق معدلات انحدار بقية الشركات خلال يومي الثلاثاء والأربعاء، ولكن ما حدث هو أن معظم شركات هذين القطاعين صعدت بنسب كبيرة تقترب من النسبة القصوى خلال الأيام الثلاثة الأولى لصعود المؤشر، وهو الأمر الذي دفع هيئة السوق المالية لتحري الأمر في عدد من الشركات وطلب إيضاحات تم نشرها في موقع تداول. وهو ما يشير إلى أن قطاعات المضاربة هي الأكثر طيراناً في الصعود، كما أن ماضي التصحيح في السوق اثبت أنها هي الأكثر تضرراً عند الهبوط. أسوأ 90 يوماً في تاريخ مضاربي الزراعيات... مما يؤكد فرضية أن أسهم المضاربة تمتلك معدلات مخاطرة عالية جداً، وأنها كما تعطي أرباحاً عالية في عز التفاؤل أحياناً، فإنها قد تتسبب في خسائر خيالية في أوقات التشاؤم في السوق... ما يؤكد ذلك هو قراءة مدى التطورات التي طرأت على حركة تداول القطاع الزراعي خلال التسعين يوماً الأخيرة... فهي تطورات مثيرة للغاية، حيث تحرك مؤشر القطاع بين مستويي 10772 كأعلى نقطة، و2740 نقطة كأدنى نقطة، وأغلق هذا الأسبوع عند 3309 نقطة. فعدد كبير من المساهمين في القطاع الزراعي حققوا أرباحاً عالية خلال التسعين يوماً الأخيرة، وفي المقابل فإن عدداً أكبر منهم أحرز خسائر نالت الأخضر واليابس في محفظته، وذلك للدرجة التي حقق فيها القطاع إجمالاً خسائر بنسبة 66% على مدى الثلاثة أشهر الأخيرة، والقطاع الثاني الذي تقترب خسائره خلال الـ 90 يوماً من خسائر القطاع الزراعي هو قطاع الخدمات الذي خسر 55.3%. وقد حدث ذلك في ظل عدم وصول خسائر المؤشر إلى هذا المستوى والتي بلغت 30.7%، بما يؤكد أن معدلات المخاطرة في قطاعات المضاربة أصبحت عالية جداً. هل... اشتعال المضاربات هو السبب في النزول الأخير...؟! خلال الثلاثة أشهر الأخيرة اختفت كثير من المصطلحات من ساحة سوق الأسهم، فمضاربات عشوائية ووعي المستثمر وسيطرة الهوامير وتلاعبات كبار المضاربين وغيرها بدأت معظمها تضمحل تدريجياً في تفسيرات المحللين لمشكلات السوق، إلا إنه لا يزال حتى الآن يوجد من يؤمن بفرضية أن اشتعال المضاربات هي السبب الرئيس في نزول السوق، ولكننا نتساءل هل المضاربات تتسبب في خسارة المؤشر أم أنها تبالغ في مستواه من خلال تصرفات كبار المضاربين التي تعمد إلى عمليات وهمية تقود إلى تضخيم قيمة المؤشر... فلماذا كان المضاربون يتبعون أسلوب المبالغة في تضخيم قيمة المؤشر منذ بدء بداية ونشأة السوق، ولكنهم منذ 25 فبراير يسعون لتنزيل المؤشر إلى مستويات مجهولة؟ فهل يمكن أن يتصور عاقل بأن مضاربين في السوق صغاراً أم كباراً يمكن أن يسعون لسقوط المؤشر لهذا المستوى؟ بل هل يمكن تصور أن يتخلى كبار المضاربين عن نهمهم في تحقيق الأرباح لكي يخططوا لمدة عشرة أشهر وكل هدفهم إسقاط المؤشر؟ أكثر من ذلك، فهل المضاربات يمكن أن تقود إلى نزول السوق حتى في عز التفاؤل بأخبار ميزانية العام الجديد، فالسوق أحرز صعوداً كبيراً يومي الأحد والاثنين بحيث وصل حجم السيولة المتداولة فيهما إلى 14.5 و16 مليار ريال على التوالي، بدأت معها حالة استقرار نسبي تسود المساهمين، وبدأت تتجه الأوضاع إلى بدء تجميعات طويلة في العديد من الأسهم التي تحسنت مؤشراتها المالية. وكان يتوقع أن يسعى المضاربون إلى استغلال أخبار الميزانية في شد رحال المؤشر لكسر مستويات مقاومة استعصت عليه في الآونة الأخيرة إلى ما فوق مستوى 8500 نقطة، فهل يعقل أن تقود المضاربات إلى فصل المؤشر كلية عن الوضع الإيجابي المتميز للاقتصاد الوطني وأن يسيروه في منوال عكسي؟ بالطبع ذلك غير محتمل ... التفسير الأكثر منطقية لما يحدث هو تفاقم مشكلة عدم الثقة والسعي الحثيث لجني الأرباح السريع خوفاً من دخول المؤشر في سقوط جديد. أما المضاربات إن سنحت لها الفرصة فلن تتسبب في سقوط المؤشر ولكن في ترقيته مجدداً لمستويات عالية. من ينتظر من صناع السوق أم السيولة...؟ مؤخراً أصبحنا لا نعرف من ينتظر من هل السيولة تترقب تحركات صناع السوق لكي تتحرك من جمودها، أم أن صناع السوق ينتظرون السيولة ليحددوا شكل وطبيعة تحركاتهم في السوق؟ ما أكثر مفترقات الطرق التي يتحدث عنها المحللون كل يوم وآخر... بين كل يوم وآخر تطالعنا تحليلات عن أن المؤشر دخل أو سيدخل في مفترق طريق سيحدد مصيره في المستقبل، وتوالت هذه المفترقات كثيراً لدرجة أننا لانزال نتساءل... ألن يخرج المؤشر من هذه المفترقات فهل يعقل أن يسافر المؤشر لمدة تتجاوز 1000 ساعة وهو يسير في طريق كله مفترقات طرق؟ وإذا أخذنا هذه المفترقات على أنها حلقات للتصحيح... فهل تصحيح السوق يظهر يوماً ويختفي يوماً آخر؟ بالطبع كل هذا الكلام غير صحيح... فالسوق دخل في تصحيح ولم ينته منه بعد، ولا يزال يعاني من ترسباته من حين لآخر، بمعنى آخر السوق في مرحلة تصحيح تتزامن مع مرحلة إصلاح، والأخيرة هي التي صعبت الأولى رغم أن التصحيح ما كان ليتم على نحو سليم من دون الإصلاح. وعلى ذلك، فينبغي علينا جميعاً أن نترك تحليلات مفترقات الطرق ونبحث في كيفية توعية المستثمرين بطبيعة الفترة وكيفية الخروج منها بأقل الخسائر. مطلوب التفاؤل ولكن مع الحذر.... لا يزال عدد من المحللين الفنيين يغالون في توقعات صعود المؤشر وفي بناء سيناريوهات تفاؤلية كبيرة لبعض الأسهم، ولسوء الحظ غالبيتها أسهم لشركات خاسرة. وللأسف لا يوجد أي مرتكز جوهري لهذه التوقعات. فطبيعة الفترة الحالية لا يمكن فيها التعويل على التشارتات في تصور المستقبل... فحتى المستقبل القريب قد لا تصدق فيه هذه التشارتات لأن الافتراض الرئيس الذي تقوم عليه (حرية قوى العرض والطلب) أصبح الآن ضعيفاً ولا يعول عليه في ظل مرور المؤشر بالمرحلة الانتقالية. السوق الآن للمحترفين وليس للهواة... لا يزال يوجد العديد من الشرائح التي تستثمر في سوق الأسهم بالفطرة، ولكنهم يضاربون بالعاطفة تربطهم بأسهم معينة حالات ارتباط يصعب فكها، فهم غير قادرين على تصور محافظهم بعيداً عنها، وغير راغبين في الأخذ بأية توصيات أو تحليلات تفترض أوضاعاً سيئة للمؤشر أو لأسهمهم، لدرجة أنهم يصمون آذانهم عندما يواجهون من يتحدث عن نزول السوق. رغم أن الأولى لكل مستثمر في السوق سماع المتشائمين أكثر من إقباله على المتفائلين، لأن المتشاءم إن صدقت رؤياه فسوف يجنب المساهمين خسائر كبيرة، وإن لم تصدق فلن يصيبهم شيء، في حين أن المتفائلين قد يرسمون وهما ينجم عنه خسائر وتعليقات كبيرة. باختصار.. السوق لا سبيل للاستثمار فيه سوى في طريقين... إما إلمام وخبرة واحتراف بالمعايير الصحيحة للاستثمار، أو بالاعتماد على الوسطاء المرخص لهم.
(*) محلل اقتصادي ومالي
Hassan14369@hotmail.com |
|
|
| |
|