| |
الخميس 19 محرم 1393هـ - الموافق 22 فبراير 1973م - العدد (528) راشد الحمدان يكتب رغم أنف سيبويه
|
|
** محمد بن مالك.. وضع اللغة العربية في ألف بيت من الشعر.. وجاء الشارحون وهم كثرة.. وشرحوها.. ولعل أشهرهم ابن عقيل.. وهو ليس الذي - عفا الله عنه - ومرت عصور وعصور.. وطلاب العلم يحفظون تلك الأبيات التي تنظم قواعد لغتنا الحبيبة.. العريقة.. ويدرسون الشرح.. ويحفظون الشواهد.. وصارعت اللغة العربية صراعاً عنيفاً.. وهي تحاول حفظ مجد الأدب العربي. وكان الدارسون لها يقضون الليالي المدلهمة تحت أضواء خافتة من الزيت.. والسرج.. ثم اللمبات الكهربائية وهم يلتهمون اللغة العربية.. ويدرسونها.. وبعضهم يتلذذ بها والآخر يرى فيها الحنظل.. حتى جاء جيل جديد.. يخرج من المدارس.. ومن الجامعات ولم يعرف من اللغة إلا اسمها.. وأنا هنا لا أستهزئ بلغة من أعظم اللغات.. ولكن بدأت هذا الموضوع.. وأنا أحس بدافع كان وليد تجربة طويلة. هذه التجربة تكونت وأنا أعيش مع الصحافة.. والبروفات.. والمقالات التي ترد مكسرة مفككة.. وكم من مقال أيقظ سيبويه من قبره.. وأقصد مضجعه.. وتذكرت (رسالة الغفران) لأعمى المعرة.. وخيالاته وفلسفته.. وكيف أن بعض الشعراء القدامى رآه يوم القيامة.. وهو آخذ بلحية بعض شارحي الشواهد وهذا الشاعر.. يقول للشارح.. لقد شرحت بيتي على ما لا أريد وشاعر آخر يقول: لقد أعربت بيتي على غير ما أريد.. ولو أن أبا العلاء المعري.. بعث من جديد في عصرنا لأضاف صفحات جديدة.. إلى (رسالة الغفران). فنحن في عصر المخترعات - وأقصد بذلك - المخترعات في الأساليب وفي الشعر.. وفي النشر.. وفي التراكيب.. وفي رصف الكلمات بعضها بجانب بعض.. وفي سبك المعاني.. أراد إرشاد الناس ووعظهم أن يكون ملماً باللغة.. وأذكر بالمناسبة حادثة في أحد مساجد الطائف وكان الشيخ المرحوم محمد بن إبراهيم يصلي الجمعة.. وقام أحدهم بعد الصلاة.. وأخذ يتكلم.. وقبل أن تمضي بضع ثوانٍ لحن في اللغة.. فأمر الشيخ بأن يجلس.. إن اللغة وسيلة لإيصال المعلومات والمواعظ إلى القلوب والقلوب تطرب للأسلوب الحسن والمعنى المؤثر.. واللسان الذي يستطيع التغلغل في النفوس. وحديثي هذه المرة.. في منتهى الجدية.. ولقد حاولت أن أصوغه في أسلوب ساخر.. ولكني عجزت.. لأن التأثير الذي يغمرني من جراء الغلطات الكثيرة.. جعلني أبرز فكرياً في صورة جادة - بحتة -.. سيدي.. سيبويه: معذرة.. فنحن في القرن العشرين.. عصر السرعة.. عصر الساندوتش.. وليس أبناؤه.. بصابرين على فهم: فعيلا أجعل الثلاثي إذا صغرته نحو قذى في قذى فعيعل مع فعيعيل لما فاق.. كجعل درهم دريهما قال صديقي لديَّ لغز.. قلت.. ما هو.. قال.. أعرب.. أن محمد كريم.. قلت.. هل أنت جاد.. أم أن ذلك لغز..؟ قال.. أقول لك.. أعرب الجملة السابقة.. وعرفت أن في الأمر ما فيه.. فصديقي متخرج في كلية اللغة.. ومن أحسن طلابها. وأدركت بعد ذلك.. أنه قد صاغ الفعل من الأنين.. وهو التوجع وجعل محمداً - فاعلاً - .. والكاف حرف تشبيه.. وريم - وهي الغزال - مجرور بالكاف. ومثل هذا من - جيد - في اللغة.. ليس مستغرباً.. ولكن.. عندما تكون مصححاً في جريدة ما.. وتبدأ في تتبع المقالات.. فإنك ترى عجباً.. فمعظم كتاب اليوم ومع الأسف.. لم يولدوا.. وفي أسماعهم.. لا ألفية ابن مالك.. ولا شرح ابن عقيل.. أو الزمخشري أو الشرنوبي والغريب أن بعض هؤلاء الكتاب لا يحسون - بانتهاك حرمة اللغة - وهم معذورون في ذلك.. وهناك من الناس من لديه حاسة اللغة.. وأعرف من هؤلاء الكثيرين. وهؤلاء.. يتكلمون.. أو يقرؤون.. فلا يخطئون.. ومرد ذلك في اعتقادي.. إلى جبلة وطبيعة.. وبعضهم إلى كثرة قراءته للقرآن الكريم.. فالقرآن.. نزل بلسان عربي مبين. وكونه كذلك فأعتقد أن تأثيره اللغوي في الألسن ليس بالهين..
|
|
|
| |
|