| |
بعد عقدين من إيران الدولة عودة إيران الثورة (1-2) د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم
|
|
حقيقتان لا ثالث لهما في السياسة الدولية، الأولى أن الدبلوماسيات والسياسات الدولية وأيضاً السياسية الأمنية أحداث متواصلة لا حصر ولا نهاية لها، يصعب إن لم يكن يستحيل تقنينها أو تأطيرها في قواعد وأطر فكرية وسلوكية ملموسة. السبب أن جميع الحركات والتحركات والسلوكيات الدولية تفتقد برمتها إلى وجود القوانين والأنظمة والأخلاقيات، بل وحتى إلى التعليمات الواضحة أو الصريحة التي بموجبها يتم قبول الأفعال والسلوكيات والتحكم فيها. الحقيقة الثانية تؤكد أن صراع الإيرادات السياسية على المستويات الإقليمية والدولية لا يقل قوة وعنفاً وخطورة عن صراع المصالح أو صراع الأيدلوجيا، فجميعها أدوات صراع ومواجهة حتمية، بل ومكامن للاحتكاكات المباشرة بين الدول لا مناص من الخوض فيها خاصة في معمعة السياسة والعلاقات الدولية. ولعل دخول الدول والمنظمات الدولية والإقليمية في أي من تلك الصراعات واقع لا مفر منه لغالبية أفراد المنتظم الدولي خصوصاً إذا ما راودتها غاية اللعب في أعماق مضمار واقع سياسات الدول الكبرى، أو فيما لو أرادت الولوج إلى مضمار سباقها العسكري الخطير. فسباق الألعاب السياسية والعسكرية الدولية يمنح الأولوية المطلقة لمن يمتلك مهارات اللعبة ويتقن فنونها، ومن بمقدروه اللعب بدقة وبمهارة، ومن ينجح في حركات التمويه والخداع، وأخيراً يحقق الكسب من يحرص على الفوز في تلك الألعاب بأي وسيلة كانت حتى وإن تطلب الأمر فرض أمر واقع على الآخرين من خلال الإكراه المباشر أو غير المباشر. وهذا بالتحديد ما يبدو من عمليات التصعيد السياسي المتبادل في الأزمة النووية الإيرانية الغربية التي تقودها بشراسة الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، وهي أزمة سياسية لولبية تصاعدية لن تتراجع بل ولن ترتخي خصوصاً بعد أن أصرت طهران على عدم تجميد نشاطاتها في تخصيب اليورانيوم، وبعد أن أعلنت رسمياً عن توصلها إلى امتلاك الدورة الكاملة لإنتاج الوقود النووي. إذن فإن الفعل ورد الفعل، والضغط، والضغط المضاد، خطوات سياسية ودبلوماسية متواصلة نشهد فصولها تنجلي يوماً بعد يوم بين الطرف الإيراني من جهة، ومن الجهة الأخرى طرف المعسكر الغربي بقيادة أمريكية. حركة الصراع بدأت منذ أن دعا القرار الذي صدر عن مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران قبل أكثر من عام مضى إلى وقف كل النشاطات المتعلقة بعملية تخصيبها لليورانيوم بما في ذلك معدات الطرد المركزي وإجراء التجارب في عمليات التخصيب. إيران من جانبها سارعت إلى الإعلان رسمياً بأن ذلك القرار غير ملزم لها لأنه غير قانوني نظراً لأن تجميد عملية تخصيب اليورانيوم قرار طوعي للدولة لا يمكن فرضه بقرار وإنما يمكن تحقيقه عبر الحوار الدبلوماسي، إيران منذ ذلك الوقت ما فتئت تماطل الدول الغربية في ذات الوقت الذي تناورها ببراعة حول الاعتراف بحقيقة نواياها أو برامجها النووية، ليس وحسب لاكتساب عامل الوقت وتوظيفه في عملية الإسراع في إنهاء برامجها النووية، وإنما لفرض أمر واقع على الدول الغربية بعد أن استعرضت عضلاتها العسكرية مؤخراً بعد نجاحها في تصنيع صواريخ بالستية متوسطة وبعيدة المدى، وبعد أن هددت بأن أي محاولة لضرب وإجهاض منشآتها النووية ستكون نتائجها وخيمة على المعتدي, بل وصعدت من تهديداتها العسكرية لتشمل إسرائيل ومعظم المصالح الأمريكية في المنطقة. ومن الجهة المضادة تضغط واشنطن بقوة تصاعدية موزونة على طهران من خلال علاقتها الثنائية مع الدول الغريبة وروسيا والصين، ومن خلال تفعيل جهود وسياسات مؤسسات ومنظمات المجتمع الدولي بهدف منع طهران من تحقيق غايتها النووية في أي شكل وصورة حتى وإن كانت طاقة نووية سليمة وذلك خوفاً من دخولها بالقوة إلى منظومة النادي النووي الدولي كما فعلت قبلها تماماً كل من الهند ومن ثم الباكستان. واشنطن إذن أشهرت الكرت الأحمر في وجه إيران وحولت الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارات دولية أكثر حزماً وشدة، وربما أكثر صرامة وقوة وعنفاً تجاه طهران من أجل وقف وتجميد نشاطاتها النووية، أو حتى إن تطلب الأمر العمل على إجهاض تلك النشاطات بالقوة، نتائج الدبلوماسية السلمية لا زالت تراوح مكانها معلنة العد التنازلي للحلول العسكرية، وسواء جاءت النتائج المتوقعة للضغوط الأمريكية على إيران إلى هذا الحد أو إلى ذاك، فإن الأزمة مرشحة للتصعيد الأخطر حدة فيما لو تمكنت واشنطن من تحييد أو تجميد الدعم الخارجي لإيران (خصوصاً من روسيا والصين) الأمر الذي قد يحول دون بلوغ إيران لغايتها النووية. تلك هي السياسة الدولية بالطبع، وذلك هو رد الفعل الدبلوماسي والسياسي المجدي الذي يمزج بين إيجابيات كل من المدخل التقليدي والمدخل البراجماتي والدوجماتي للأفعال وردود الأفعال، فهل ترضخ إيران لتصعيد الضغوط الأمريكية بعد تحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن الدولي؟ أم أنها ستصعد من الأزمة وتمضي بعناد في مسارها التقليدي؟ التفاؤل حول محصلة الوضع النهائي لما سيتمخض عن هذه الأزمة مع الأسف لا يبشر بخير ولا يقل خطورة عن التشاؤم منها فكلاهما إما جمر أو نار.
|
|
|
| |
|