| |
البيئة الاستثمارية بين الرغبة والجمود!! د. عقيل محمد العقيل
|
|
الجمود هي السمة التي يمكن أن نصف بها القطاع الحكومي في ردة فعله وسلوكياته تجاه التغيّرات المتسارعة في كافة المجالات وخصوصاً الاقتصادية رغم معدلات النمو الكبيرة التي تشهدها المملكة بفضل السياسة الحكيمة التي تنتهجها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ? أيّده الله ? وهذا الجمود يتضح في الأنظمة واللوائح المنظمة للعمل، حيث ما زالت كما هي وكأن الزمان لا يمر والمتغيّرات في حكم الثوابت، وكأن ما كان يصلح للماضي لا بد أن يصلح للحاضر والمستقبل ولا نقاش في ذلك أبداً. هذا الجمود أدى إلى الخمول من ناحية وإلى ضعف في الجودة من ناحية أخرى وكل ذلك مكَّن المنافس المجاور من سحب البساط لصالحه حتى حقق نهضة خيالية في زمن قصير رغم شح الإمكانيات مما جعلنا ننظر إليه جميعاً بعين الإعجاب رغم ما لدينا من فرص حقيقية يسيل لها لعاب القاصي قبل الداني وما لدينا من إمكانيات تمكننا من اغتنام تلك الفرص قبل الآخرين الذين دخلوا وسيدخلون سوقنا كمحصلة لقوانين تحرير التجارة العالمية، فلماذا هذا الجمود؟ لماذا والمسؤولون يصرحون في كل مناسبة بأنهم يسعون لبناء شراكة حقيقية فعَّالة مع القطاع الخاص لتحقيق أهداف التنمية؟ الأسباب كثيرة ولعل أهمها في نظري هو تلك الفجوة الكبيرة بين تطلعات الحكومة وأجهزتها التنفيذية من حيث التطلعات والغايات والمهام، فالحكومة بقيادة خادم الحرمين الشريفين تتطلع لتحقيق نهضة كبيرة شاملة ومستدامة تتناسب والإمكانيات المتوفرة ومعطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل لغاية واضحة وهي تحقيق التقدم في كافة المجالات بما يدعم مكانة المملكة بين الدول وبما يحقق الرفاهية والعيش الكريم لكل من يقطن على هذه الأرض الطيبة، وفي سبيل تحقيق ذلك أناطت بكافة الأجهزة الحكومية مهمة إعداد وتطبيق الخطط المحققة لذلك ضمن خطط التنمية الخمسية المحددة للمسارات الرئيسية لتحقيق ذلك، بينما ما زالت معظم الأجهزة التنفيذية في حالة انفصام كامل أو شبه كامل مع كل ذلك، حيث لا ترى أن مهامها تتعدى تنفيذ الأنظمة واللوائح والإجراءات المعتمدة منذ عقود بطرق بيروقراطية روتينية قائمة على الشك والتعسير لا على الثقة والتيسير. هذه الفجوة انعكست سلباً على الموقف من الوقت العنصر الحاسم بالنسبة لأي خطة كانت، ذلك بأن الخطة عبارة عن مجموعة أهداف كمية وصفية يراد تحقيقها في وقت محدد، نعم هذه الفجوة أدت إلى شبه خروج لعامل الوقت من معادلة الأجهزة الحكومية لحساب المزيد من التدقيق والرقابة، التدقيق على استيفاء كافة المتطلبات حتى تلك التي أصبحت غير ذات داع نتيجة لمجمل التطورات الحاصلة بشكل عام، ومن أمثلة المتطلبات التي أصبحت غير ذات داع طلب بعض الجهات إحضار تعريف لشخص معرف من قِبل وزارة الداخلية ببطاقته أو إقامته التي تحمل رقماً موحداً لا يحمله سواه. خروج الوقت من المعادلة إو اضمحلال أهميته إضافة للنظرة القائمة على أهمية الإجراء كهدف لا كوسيلة أعاق الكثير من الأنشطة التي تحتاج للسرعة والمرونة معاً، والأنشطة الاتصالية كالمؤتمرات والندوات والملتقيات والاحتفالات والمهرجانات من أكثر الأنشطة التي تحتاج للسرعة والمرونة ذلك أنها تتعلق بترتيبات متشابكة من حيث الوقت المناسب للرعاة وللمشاركين جميعاً (داخل وخارج البلاد) وحجوزات الطيران والفنادق والقاعات وجاهزية الأوراق المقدمة.. وغير ذلك مما يحتاج لجهد كبير لتنسيقه بسرعة كبيرة ومرونة عالية. وإعاقة مثل تلك الأنشطة الحيوية أدت إلى نتيجتين، الأولى تمثلت بانتعاش تلك الأنشطة بالدول المجاورة كما هو حاصل في دبي، حيث شارك قبل أيام قليلة العشرات من الشركات العقارية المحلية في معرض الستي سكيب رغم أن السوق العقاري الحقيقي والأكبر في بلادنا، والثاني تمثّل في عزوف الكثير من الجهات عن إقامة مثل تلك الأنشطة الاتصالية لعدم تمكنها من إدارة مثل تلك الأنشطة لصعوبة إجراءاتها، وكلتا النتيجتين لا خير فيهما ويعملان ضد توجهات الحكومة، وهنا المفارقة. ومما أدهشني وأكّد لي بنفس الوقت مصداقية ما ذهبت إليه هو ما حدث مؤخراً من إلغاء مؤتمر اقتصادي مهم جداً كان من المفترض أن يعقد في الرياض، ذلك المؤتمر الذي كان من المفترض أن يناقش موضوعاً من أهم المواضيع الاقتصادية وهو (الشركات العائلية وسبل طرحها في أسواق المال والعوائق التي تواجهها)، وكلنا يعلم ماهية وأهمية تنمية الشركات العائلية وتطويرها لتلعب دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكلنا يعلم أننا خسرنا مجموعة من الشركات العائلية التي أمضت عقوداً طويلة في مجال عملها إلا أنها اختفت بمجرد وفاة المؤسس، والتي من المفترض أن تكون راكمت خبرات كبيرة عبر تلك العقود، خبرات تشكل قيمة مضافة للاقتصاد ذهبت بوفاة رجل. وللحقيقة أقول إنه لم يكن من أسباب دهشتي هو أن موظفاً في درجة متدنية في إحدى الوزارات اتخذ قراراً بإلغاء المؤتمر الذي يبشِّر بحقبة رئيسية في اقتصادنا الوطني، وموافقة رؤسائه على ذلك القرار فهذا أمر مفروغ منه ونحن مع الأسف نعلم إمكانيات موظفي وزاراتنا وطريقة تفكيرهم وأدائهم المغرق في البيروقراطية وتسييد المكتوب على الورق من أنظمة يجب أن يتبعها بآلية على التفكير السليم. ولكن منبع دهشتي أنني لم أقرأ أي رد من أي جهة رسمية تسببت في هذا العمل لتبرير هذا القرار الذي بسببه أعدمت جميع الجهود المبذولة لتنشيط الاستثمار وجذب المستثمرين وتوطين رؤس الأموال السعودية التي هاجرت في حقبة ماضية، نعم جهود أعدمت بقرار وأحبطت من أحبطت مما يدفع بالعجلة سنوات وسنوات إلى الوراء. لا أشك أن من ألغى المؤتمر - وإن أخطاء المنظّمون في عدم إصدار التراخيص في الوقت المناسب - لا يعلم الآثار السلبية لهذا الإلغاء، نعم لا يعلم بأن طريقة إلغائه للمؤتمر تنبئ عن خلل كبير في المنظومة الاستثمارية الواجب توفرها لدينا، فهل من المعقول أن يلغى مؤتمر بسبب عدم أخذه التصاريح؟ أليس من الواجب أنه حينما حصل الخطأ أن يستعجل إصدار التصريح حتى لو اضطرت الجهة المصدرة للتصريح العمل لمدة ساعة واحدة مساء وذلك لإنقاذ البلد وسمعته في المحافل الدولية الاقتصادية. ختاماً أقول، ماذا لو حصل هذا التصرف في دبي؟ أعتقد جازماً أن من عمل ذلك العمل لن يبقى في مكتبه يوماً واحداً ولا رئيسه المباشر الذي أخل اخلالاً كبيراً في تهيئة الموظف ووضع الموظف المناسب في المكان المناسب، ذلك الرئيس الذي اتخذ قراراً بتبرئة نفسه على حساب الوطن وسمعته، قراراً يشير إلى الجمود والتطبيق التعسفي الذي يجب أن يستبعد بأسرع وقت ليكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه التأثير على سمعة البلاد الاستثمارية والتي تعتبر دون شك سمعة لكل مواطن سعودي أمام كل مستثمر أجنبي يفكر في الاستثمار في بلادنا التي نسعى جميعاً لتنميتها بما يعود علينا جميعاً بالمنفعة والفائدة.
alakil@hotmail.com |
|
|
| |
|