| |
أضواء الشرع يشرع في تغييب تراث حافظ الأسد جاسر عبدالعزيز الجاسر
|
|
لعل أبرز الصفات والقدرات التي يجب أن يتميز بها وزراء الخارجية في أية دولة من الدول مهما عظمت أو قلّ شأنها أن يكون الوزير حصيفاً متعقِّلاً غير متسرّع في أحكامه وصاحب عقلية منهجية في التفكير، وأن يرى مصلحة بلاده ويقدّمها على مصالحه الشخصية والأسرية. هذه هي الصفات التي يفتقدها كلياً (الرفيق) فاروق الشرع الذي أُعفي أخيراً من منصبه كوزير للخارجية في بلده ليركن إلى منصب يكفل له حفظ ماء الوجه، حيث لا عمل له سوى إلقاء الخطابات والتنظير الأيديولوجي المحشو بالكلمات والمواقف العنترية دون مضامين سوى الإساءة وشتم الأشقاء الذين لهم مواقف مشرفة مع بلاده أكثر من مواقفه التي لا تتعدى استفادته هو وأقرباؤه من منصبه السابق كوزير للخارجية عندما استباح السفارات ونصّب أقاربه سفراء لبلد يحتاج خبراء ومتخصصين لشرح مواقفه التي تواجه شكوكاً في دول عديدة. ومع أن أخطاء الشرع عديدة وسقطاته الدبلوماسية من الكثرة بحيث يصعب حصرها إلا أن اعتياده استعمال الكلمات البذيئة والنابية هي أكثر العيوب الظاهرة، كإطلاقه أوصافاً ونعوتاً ناشزة، آخرها كان قبل التخلُّص منه كوزير للخارجية، وهو قوله عن القرار 1559 إنه قرار تافه. أن يصدر مثل هذا الكلام عن شخص يجادل في الشارع لا يلتفت إليه أحد فهو أمر لا يُتوقَّف عنده كثيراً، أما أن يصدر عن وزير للخارجية تواجه بلاده معارك سياسية مع دول أخرى فهذه كارثة؛ لأن بلاده ليست في حاجة لأعداء آخرين، هم مجموع أعضاء مجلس الأمن الدولي الذي أصدر القرار. السمة المعروفة الأخرى عن السيد فاروق الشرع هي قدرته غير الاعتيادية على تعمُّد ارتكاب الأخطاء في الحسابات السياسية وعدم مراعاة العواقب الناجمة عنها؛ مما أدى إلى تآكل معظم المكتسبات السياسية والدبلوماسية التي حققتها سورية قبل أن يحلّ في وزارة الخارجية. وإذا كان المحلِّلون السياسيون يرون أن السياسة السورية اختطت لها دبلوماسية مميَّزة صاغها الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي قاد بلاده وتجاوز كل الصعاب التي وُضعت لإحراجه وإضعاف سورية؛ إذ أجاد الرئيس الراحل لعبة الأوراق، فإن (المنظِّر) الكبير السيد فاروق الشرع لم يكتفِ بعدم إجادتها، بل دمَّرها أيضاً. يشخص أحد السياسيين المتابعين لأفعال السيد فاروق الشرع نهجه وعمله فيقول: لقد حافظ الرئيس حافظ الأسد على لعبة الأوراق التي لم يتقنها فاروق الشرع أبداً، فلم يلعب في أسوأ الأحوال بأكثر من ربع أوراقه السياسية، حتى في أزمة علاقته العربية في الثمانينيات كانت خياراته الإضافية موجودة، بخلاف ما فعله فاروق الشرع من تضييعٍ لكل الأوراق مع العراق ولبنان وفرنسا ومن ثَمَّ الاتحاد الأوروبي، والأهم مع الولايات المتحدة، والنُّصح على طريقة العراقيين السابقين بالاهتمام بالدول الآفلة القوة؛ بمعنى الذهاب إلى قوى غير موجودة وإلغاء دور القوى الموجودة لحساب عناوين أيديولوجية تريد أن تتوهَّم أن الصراخ على طريقة الخمسينيات يصلح لهذا الوقت. لقد اعتمد الشرع في تعاملاته مع كل القضايا التي طُرحت عليه على معالجتها من خلال نظرية المؤامرة البائسة، مع أن كل الوقائع كانت واضحة في مخطَّطات معلنة، والأهم أنها كانت تدعو سورية إلى أن تكون معها، لكن عقل التكتيكات الصغيرة سيطر على الشرع، فكان يمارس نوعاً من التذاكي فيوحي بشيء ويمارس شيئاً آخر، مع أن ميزة الرئيس الراحل حافظ الأسد التي لم يتعلَّمها (الرفيق الشرع) أنه كان إذا وعد أوفى، وإذا أراد الرفض قال: سأناقش الموضوع مع القيادة، وكان واضحاً أنه ليس (متقلِّباً)؛ بمعنى عدم الوفاء بالتعهدات؛ فقد كان ممن يؤمنون بأن استمرار المفاوضات بمثابة فرصة للاستنزاف وليس للأخذ والرد؛ لذلك لم تكن في تعامله قضية واحدة صغيرة عديمة الأهمية ولا توجب نقاشاً ومفاوضات مطولة أو تعقيدات لا حاجة لها في أي قضية تطرح للنقاش أو التفاوض معه. وكان على الدوام يتحجَّج بأن ما يفعله لا يتعدى محاولات الدفاع عن مصالح سورية ليس إلاَّ. لقد كان الرئيس الراحل أحد الحاسبين الجيدين لتفاصيل القوة، وكان حريصاً على الدوام على اتباع مبدأ التأني في التعامل مع الأمور، وكان بقدر ما يحرص على تحصين بلده من هجمات ومؤامرات الأعداء يحرص على التواصل والتنسيق والتفاهم مع الدول العربية الشقيقة المحورية توافقاً مع فهمه لمفاصل القوة. هذا هو التراث العظيم الذي هدمه فاروق الشرع في فترة إدارته للسياسة الخارجية السورية مغيِّباً تراثاً سياسياً متميزاً لصاحب فكر مميَّز وأحد الحاسبين لتفاصيل القوة التي كان يوظفها توظيفاً جيداً لصالح بلاده وليس كالشرع الذي أضعف بلاده بتجاهل مكامن القوة، سواء عند الأعداء أو الأشقاء، مشرِّعاً من خلال محاضراته الحزبية وخطبه هدم هذا التراث العظيم.
jaser@al-jazirah.com.sa |
|
|
| |
|