رجلٌ فتح الله على قلبه نوافذ العلم بالسيرة النبوية، والسنة المطهرة، فتعلّم فيها وعلَّم، وألّف كتباً أصبحت مصابيح في هذا المجال الجليل، وأصبح كتاب (الرحيق المختوم) أوضح تلك المصابيح نوراً، وأجلاها ضياء، رجلٌ تنقل بين دور العلم والمعرفة من الهند إلى المملكة العربية السعودية، يخدم سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويبرز الجوانب المتعددة المضيئة من سيرته العطرة، إنه صفي الرحمن بن محمد أكبر المباركفوري الأعظمي الذي لقي ربّه - عز وجل - بعد رحلة علمية حافلة يوم الجمعة 10-11-1427هـ في مسقط رأسه (مباركفور) بالهند. نسأل الله له الرحمة والمغفرة.
ولد هذا العالم الجليل في مباركفور بالهند عام 1943م، ونشأ فيها محباً للعلم والمعرفة، وهو من أسرة تنتسب إلى الأنصار، والأنصاريون في الهند كثيرون، ويقولون إنهم يرجعون إلى جدّهم الأعلى (أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -).
تعلم المباركفوري اللغة العربية والعلوم الشرعية في مدرسة إحياء علوم الدين في مسقط رأسه، وبرع في العلوم كلها، خاصة في علوم السيرة، والحديث النبوي الشريف قام بالتدريس والدعوة والإرشاد عن طريق الخطابة والمحاضرات والدروس العامة في مدن هندية مختلفة، وصار من أبرز دعاة السلفية في الهند وأصبح أمير جماعة الحديث النبوي هناك، حصل على شهادة (مولوي) عام 1959م، وعلى شهادة (عالم) عام 1960م، وعلى شهادة (الفضيلة) في الأدب العربي عام 1976م.
ثم عمل باحثاً في مركز خدمة السنة النبوية والسيرة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام 1409هـ إلى عام 1418هـ، كما عمل مشرفاً على قسم البحث والتحقيق العلمي في مكتبة دار السلام بالرياض إلى أن توفي - رحمه الله -.
كان خطيباً في جامع سيوني بالهند، ورئيس تحرير مجلة (محدِّث) الشهرية التي تصدر في الهند باللغة الأوردية.
حينما أعلنت رابطة العالم الإسلامي عام 1976م في مؤتمرها بالهند عن مسابقة في السيرة النبوية، ألّف كتابه الشهير (الرحيق المختوم) وفاز بجائزة رابطة العالم الإسلامي الأولى بهذا الكتاب القيم الذي يُعدّ من أفضل الكتب في مجال السيرة النبوية، وأسهلها أسلوباً، وأجملها ترتيباً، وأقربها من ذهن القارئ. وللشيخ صفي الرحمن المباركفوري عدد من الكتب أثرى بها مكتبة السيرة والحديث النبوي الشريف، منها:
1 - الرحيق المختوم 2 - روضة الأنوار في سيرة المختار 3 - سنة المنعم في شرح صحيح الإمام مسلم 4 - إتحاف الكرام في شرح بلوغ المرام 5 - الأحزاب السياسية في الإسلام 6 - بهجة النظر في مصطلح أهل الأثر 7 - تطور الشعوب والديانات في الهند 8 - الفرقة الناجية في الكتاب والسنة 9 - علامات النبوة 10 - البشارات بمحمد - صلى الله عليه وسلم - في كتب الهند والبوذيين 11 - فتنة القاديانية 12 - المعركة بين الحق والباطل 13 - الإسلام وعدم العنف وغيرها من الكتب المهمة في هذا المجال.
ومن لطائف ما حصل عليه الشيخ المباركفوري ما يسمّى عند أهل الحديث: إجازة (التدبيج) ومعناها أن يتفق عالمان على أن يجيز كل واحد منهما الآخر في علم من العلوم، فيقرأ أحدهما على الآخر ويجيز أحدهما الآخر إجازة علمية، وقد حصل على هذه الإجازة في رواية الحديث مع د. عاصم بن عبد الله القربوتي.
هذا طرف مما قدمه هذا العالم الجليل رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة. والحقيقة أن كثيراً من علماء الهند قد خدموا الإسلام واللغة العربية خدمة جليلة في مجالات متعددة، وبرز منهم علماء ذوو أثر كبير في بلادهم وفي العالم الإسلامي كله، بل وفي أنحاء العالم، وما أبو الحسن الندوي، وأبو الأعلى المودودي ومحمد إقبال عنا ببعيد، وقد التقيت منهم علماء ورواة للحديث وحفّاظ للمتون من العلوم المختلفة، وللشعر العربي، أدهشوني بسعة علمهم وهذا من فضل الله على الإسلام وأهله، رحم الله المباركفوري وعزاء صادق لأهله ولجميع المسلمين.
إشارة