| |
رأي اقتصادي كيف يمكن تحديد حجم الإنفاق على جامعاتنا؟ د. محمد اليماني
|
|
من القضايا الهامة والتي تحدد مستوى التعليم الجامعي في أي مجتمع حجم الإنفاق عليه، والعامل الحاسم هنا هو ماهية المعايير المستخدمة لتحديد حجم الإنفاق. ولعلّ العامل الأكثر استخداماً لدينا هو أعداد الطلاب الذين يفترض قبولهم في الجامعات ومدى ملاءمة مخرجات التعليم الجامعي لسوق العمل. ولا شك أنّ هذين المعيارين من المعايير التي يمكن استخدامها لكنهما ليسا الوحيدين أو الرئيسين، لما في ذلك من قصور في إدراك لدور الجامعات في حياة المجتمعات والشعوب، وحصر لدور أستاذ الجامعة وبشكل كبير في التدريس، وإلى تكييف طبيعة التخصصات في الجامعات لتتواءم مع سوق العمل ومع سوق العمل فقط، ووصل الأمر إلى حد إنهاء بعض التخصصات أو إقفال بعض الأقسام العلمية بطريق أو بآخر، بحجة أن لا إقبال من الطلاب عليها، أو لا مكان لخريجيها في سوق العمل. في حين أنّ بعضها يُعَد من التخصصات الهامة في الدول المتقدمة والتي ينتخب لها طلاب الفائقين والبارزين في دراستهم وقدراتهم الذهنية والعقلية. ومن الواضح أنّ الاعتماد على هذه المعايير لوحدها في تحديد حجم الإنفاق على التعليم العالي يؤدي إلى عدم الوصول إلى الحجم الأمثل في الإنفاق، وبالتالي إلى تدني نوعية وكمية المنتجات التي تقدمها الجامعات. وتُعَد إشكالية تحديد المعايير التي يفترض تبنيها من أجل الوصول إلى الحجم الأفضل من الإنفاق بالنسبة للتعليم بشكل عام والعالي بشكل خاص من الأمثلة التقليدية لدى الاقتصاديين عند الحديث عن ما يمكن أن يؤدي إليه إهمال بعض منتجات التعليم العالي وعدم أخذها في الحسبان إلى نتائج سلبية على هذا القطاع ومنتجاته. إنّ من المبالغة في تسطيح الأمور حصر دور الجامعات في توفير الأيدي العاملة، واعتبار ذلك هو المحدد الرئيس للإنفاق عليها. ذلك أنّ للجامعات دور أكبر من هذا بكثير فهي منارات لنشر الوعي الحضاري والثقافي لدى المجتمع، وهي مراكز الأبحاث التي تسهم في عمليتي التطور والتنمية بكافة جوانبها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وهي أيضاً تحوي مراكز الأبحاث القادرة على معالجة قضايا المجتمع ومشاكله على تنوعها واختلافها، وهي الموفر الأساس للمفكرين والعلماء والأدباء والمبدعين. إنّ استيعاب الدور الحقيقي للجامعات وترجمته إلى معايير ينبني عليها تحديد مستوى الإنفاق ليسهم في حل مشكلة الجامعات المحلية، ويساعد على الارتقاء بمستواها، ليس هذا فحسب، بل وربما مكّنها ذلك من التحوُّل إلى قطاع إنتاجي يستقطب الطلاب والباحثين والأبحاث العلمية من الداخل والخارج، الأمر الذي يوفر فرص عمل ومصدر دخل للمواطنين، إضافة إلى إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي. هذا فضلاً عن الآثار الإيجابية والحالة هذه التي يتركها هذا القطاع على بقية القطاعات الاقتصادية.
|
|
|
| |
|