| |
كيف ندعم قيم السلام؟ مندل عبدالله القباع
|
|
لقد تناول مفهوم السلام العديد من الباحثين والمفكرين وأصحاب الرؤى السياسية والقائمين على نظم الحكم المختلفة، لكنهم يتفقون جميعاً على أن السلام (حالة) أي (تحقق) و(آلية) يصنعها التوازي بين الحقوق والواجبات التي تمثل (قيم التفاعل السوي) لإيجاد علاقات متوازنة تدعهما ثقافة السلام بما تتضمنه من أفكار ورؤى تشكل مبادئ وسلوكيات السلام.. ومن هذه المبادئ الداعمة تنظيم لغة الحوار، والمبادرة، والانتماء والانفتاح والرضا والتقبل. وما دام السلام (حالة)، فهي تتحقق في الواقع على المستوى النظامي المؤسسي. ولكن !!! يعتري الواقع المعاصر عدة مشكلات صراعية تدور حول قيم مادية فجة غير منتمية لقيم الوفاق وصيانة الحقوق.. ولكن!!! توجهها الانتمائي الوحيد لقيم برجماتية ذات وجهة اقتصادية وسياسية. وتمثل البرجماتية نسقاً معيارياً مطلقاً، يتغير العالم وهذا النسق جامد لا يتغير، ويتطور الوجود من حوله وهو قابع لا يتغير، تضاف نتائج البحوث والدراسات العلمية وهو لا يأبه بهذه الإضافة.. ومن خلال المسيرة العلمية تصحح بعض من المفاهيم وهو لا يحاول تصحيح مساره. هكذا تكون البرجماتية في المجتمع المادي، تمثل نسقاً ثابت الركائز، مطلق الأبعاد، يكرس قيم (الاتباع) لمنظومة القطبية (العولمة) ذات الاتجاه الواحدي، وهذا الاتباع شرط جوهري، إلا أنه لم يكن الشرط الوحيد في ثقافة السلام فهو ينتظم في جماعة الهيمنة الاقتصادية والسياسية بقصد التغيير في البنية الحضارية وطبيعة الاتجاهات والقيم الثقافية. هذه القيم ذات أثر (سالب) - في غالب الظن - على ثقافة السلام وقيمه. لماذا؟ لأن قيم العولمة قيم هرقلية تعسفية في ممارساتها ومصادرتها لمستقبل الشعوب ذات الحكومات الشرعية (غير منحازة)، ولذا فهي في ميدان التحرش والاقتتال والاعتداء الثقافي أولاً ثم السياسي ثانياً ثم الاقتتال ثالثاً من أجل التصفية السياسية بدلاً من اللجوء لمائدة المفاوضات، فهي في ذمتهم ليست جاهزة للاستخدام، وباتت قيمها ومتغيراتها ضبابية لا تصلح للتناول؛ ما يستوجب التخلي عنها واكتساب قيم أخرى صراعية لا تخدم مصلحة أحد سوى تدعيم هيمنة القطب الواحد.. وهو يرفع شعار العنف - كدأبه أبداً - فليست لديه إضافة جديدة في طريق الانفراجة لدعوة الحق والسلام المبني على العدل والشرعية والإرادة الحرة. إن قيم السلام تستدعي التحرك (العقلاني) في مواجهة قوى البغي والغطرسة، والتحول نحو إيجاد وسائل منهجية علمية موضوعية في إطار الممكن والمتاح وبالتعاون ومساندة قوى السلام في الداخل والخارج بعيداً عن تعالي الصرخات والصيحات والشعارات التي لا طائل من ورائها سوى الأنات والعويل. إننا نريد لقيم السلام أن تتوطد وتتوطن وتترسخ وتتوحد في حركتها ومراميها بعيداً عن هزال المنتفعين ويأس المحبطين. إننا نريد لقيم السلام أن يتوحد في ظلها قوى السلام وأن يتحصنوا ضد الخلافات والتناقضات أمام نزعات التسلط والهيمنة والعنف. إننا نريد لقيم السلام أن تستند إلى العقل والحكمة وأن تنظر للعولمة نظرة انتقائية فنأخذ ما يفيد في تحقيق متطلبات التنمية المستدامة وأن نتجنب ما لا يفيد حتى لا تتسع مسافة المعاناة، وهذا ما دأبت عليه المملكة العربية السعودية في سياستها الداخلية والخارجية. إننا نريد لقيم السلام أن تعيننا في دعم الاستراتيجيات وترشيد المعطيات وأن تسد مطالب واحتياجات النهضة والتطور والتقدم، ومراجعة السياسات في ضوء أمور وقضايا الواقع المعاصر الذي نعيش فيه. إننا نريد لقيم السلام أن يتحلق حولها الشباب لتكون مرتكزاً لحل مشكلاته ودعم الاستقرار عن طريق مواجهة تحديات الآن بعزم الشجعان، انطلاقاً محسوباً نحو التقدم والعلو تحقيقاً لقيم السلام.
|
|
|
| |
|