| |
الحالة الأفغانستانية مع المحتل! مي عبد العزيز السديري
|
|
تقع أفغانستان في غرب آسيا وشرق إيران، وهي بلد جميل بكل ما فيه جباله وسهوله ووديانه ومياهه، وأما سكانه فقد عرفهم التاريخ بأنهم رجال أشداء لا يرهبون الموت، حبهم لبلدهم يدفعهم إلى القول أن بلدهم محرمة على الغرباء، بدءاً من الأسكندر المقدوني حيث لم تستطع جيوشه الصمود أمام هجمات الأفغان عليهم وقد وصفهم أحد قادة الأسكندر على أنهم فرسان أباة لا يكاد الغريب يتجاوز حدودهم حتى يتنادوا ليقفوا في وجهه بكل شجاعة واعتزاز لا يهمهم عدد وعدة الدخيل، وقد أثبت هذا الشعب أنه منتصر دائماً على من يعتدي على أرضه. لقد حاولت الإمبراطورية البريطانية أن تتقدم لتحتل أفغانستان، وقد كانت في أوج عظمتها، وقد دانت الهند لها، وقد عرفت بريطانيا في ذلك الزمن بسيدة البحار، وقد عزمت هذه على تحقيق ما عجز عنه الأسكندر الأكبر وقررت أن تسجل في التاريخ انتصارها على الشعب الأفغاني واحتلال أراضيه. فماذا كانت النتيجة يا ترى؟ لقد وافقت القيادة البريطانية على غزو أفغانستان باستثناء اللورد ويلينجتون الذي قال: ليس المهم أن ندخل إلى أفغانستان ولكن المهم هو كيف نخرج منها. قامت سيدة البحار بإعداد ثلاث فرق خاصة قوامها خمسة آلاف جندي (5000 جندي) عام 1836م دربتها على كافة صنوف القتال التي اعتقدت أنها ستواجهها من المقاتلين الأفغان، وبعد أن أصبحت تلك الفرق جاهزة زودتها بمختلف الأسلحة المتوفرة لديها وأفضلها وأمرتها بالتوجه إلى أفغانستان. وكانت تعتقد سيدة البحار أن حملتها على أفغانستان ستكون مكللة بالنجاح وهي المعروفة بأنها مسيطرة على العالم بما في ذلك الطرق البحرية والبرية المؤدية للشرق. تقدمت الفرق الثلاث من محاور مختلفة فجأة من محاور مختلفة فجأة وبسرعة مستندة إلى معلومات استخبارية تلقتها من بعض الجواسيس الذين أرسلتهم قبل بدء الحملة بسنة، وما كادت طلائع القوات البريطانية تطأ أرض أفغانستان حتى هب أهلها شيباً وشباناً للدفاع عن أرضهم وبلدهم. وبعد معارك طاحنة انتهت الحملة بهزيمة ساحقة للقوات البريطانية. وتذكر السجلات أنه بعد وصول قائد الفرق إلى دلهي تقدم بتقرير عن مسار المعارك، قررت وبعد دراسة مستفيضة من قبل قيادة سيدة البحار قررت هذه الإمبراطورية أن لا تكرر المحاولة، وانتهت أحلامها في أرض البطولات، واستطاعت أفغانستان أن تقهر الإمبراطورية البريطانية وأن تطوي صفحتها في التاريخ. وبعد ذلك جاء الاتحاد السوفيتي ودخل أفغانستان بطريقة أو بأخرى ليلاقي أياماً سوداء، دفع فيها خسائر مادية وبشرية ومعنوية كبيرة وكبيرة جداً. وقد حاول جاهداً التغلب على المقاتلين الأفغان واستعمل كافة الأساليب وأحدث الأسلحة، ولكن المقاتلين أذاقوها أصناف الهزائم وأعطوه دروساً في فنون القتال والحرب ولم تنفعه ترسانته العسكرية ولا عديد جيوشه، فكان ينهزم في كل معركة يخوضها مع المقاتلين، وتكررت الهزائم والخسائر مع مرور الأيام والسنين ولم يبق أمامه إلا الاعتراف بعجزه وعدم قدرته على الاستمرار في الوقوف في وجه المقاتلين، وكما قررت الإمبراطورية البريطانية الاعتراف بالهزيمة، فقد اتخذ قرار من هيئة الاتحاد السوفيتي العليا بالانسحاب من أفغانستان، وبناء على ذلك فقد خرج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان يجر خلفه أذيال الهزيمة والاندحار مسجلاً بذلك نصراً جديداً لأفغانستان على الغزاة الطامعين بذلك البلد، وهكذا تمكنت أفغانستان من طي صفحة إمبراطورية ثانية في بلادها ليسجل لها التاريخ ذلك الانتصار ويضيفه لانتصاراتها السابقة. وفي الوقت الحاضر وقبل خمس سنوات دخلت قوات متعددة الجنسيات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكأن بريطانيا أرادت أن تنتقم لهزيمتها معتقدة أنها تستطيع أن تثبت أقدامها في أفغانستان وتحقق الانتصار ناسية أو متناسبة ما حدث لمن دخل ذلك البلد من قبل والمصير الأسود الذي لقيته تلك القوات الغازية. واعتقد جازمة لو أن القوات المتعددة الجنسيات درست التاريخ، تاريخ الغزوات التي اتجهت إلى أفغانستان واستفادت من نتائج ذلك التاريخ وأخذت العبرة منه، لما أقدمت على تلك الخطوة المتهورة التي أوقعتها في أتون معارك دامية دائمة توقع في تلك القوات خسائر فادحة يومية، وهي اليوم لا تدري كيف تتصرف، فبدأت تفكر كيف تنقذ نفسها من هذه الورطة العويصة لدرجة أن قائد تلك القوات أعلن على الملأ وأبلغ جهاته الرسمية وبصراحة أن قواته ستجد نفسها مضطرة إلى مغادرة أفغانستان خلال سنة إذا لم تصله قوات إضافية مقاتلة جديدة تمكنه من الصمود أمام هجمات المقاتلين الأفغان، علماً أن الدول المشتركة في تلك القوات بدأت تتردد في إرسال المزيد، بل والبعض منها صرحت أنها لن تستطيع إرسال قوات جديدة. والحالة هذه لم يبق أمامنا إلا أن نتساءل عن سر هذه الحالة الأفغانية والانتصارات التي يحققها المقاتلون الأفغان على كل من يدخل أرضهم، هل ترجع تلك الانتصارات إلى طبيعة البلاد أم أن هناك سبب آخر؟ للإجابة على هذه الأسئلة لابد لنا من النظر بعمق إلى المواطن الأفغاني، فهو من حيث المبدأ إنسان جبلي، وكلنا نعرف كيف تبنى أجسام من يعيش في الجبال -أجسام قوية شرسة عنيفة- لديها من قوة الاحتمال والصبر ما لا يتمتع به الآخرون خاصة إذا كان هذا الإنسان بعيداً عن الحضارة وعلى وجه الخصوص الحضارة الغربية التي يرفضها جملة وتفصيلاً لأنها تتعارض مع معتقداته ومفاهيمه الإسلامية، وإضافة إلى ذلك لابد من أخذ التركيبة السكانية بعين الاعتبار، فالشعب الأفغاني شعب قبلي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. حيث نجد أن كلمة واحدة من رئيس القبيلة أو العشيرة أو شيخ العشيرة تكفي لأن تحرك كافة أفراد القبيلة أو العشيرة، وهذا يعني أن الغزاة لن يواجهوا مجموعات صغيرة مشكلة من هنا أو هناك وإنما يواجهون الشعب بأكمله، علماً أن طبيعة الأفغاني ترفض قبول الغريب، وأن هذا الأفغاني قد جُبل من طبيعة تقول للغرباء: لا مكان لكم في أرضنا. وهناك الوضع الاجتماعي الذي يعيشه الشعب الأفغاني، فهو ليس ذلك الشعب المرفه الذي أنغمس في ملذات الحياة وتذوق أصنافاً مختلفة من طعم أزهار الحياة الدنيا الموجودة لدى الآخرين، فهو لا يملك مالاً أو سلطاناً أو حدائق أو بساتين أو خيل مسومة أو أنعام. هذا الشعب يعيش في الحدود الدنيا من أسباب الحياة ولا يطمح للكثير من مباهج الحياة، وهمه الكبير والأوحد أن يحافظ على بلده، فهي بمثابة الروح بالنسبة إليه، بلده كل شيء في حياته ولذلك لا مانع لديه من أن يضحي بنفسه في سبيلها، وفي الحقيقة فهو ليس لديه شيء يخسره وليس أمامه بالنسبة إليه إلا وطنه، فإذا خسره خسر كل شيء، ولذلك هناك قناعة عامة مشتركة لدى جميع أفراد الشعب بأنهم لن يسمحوا لأحد في أخذ بلدهم منهم، وهذا يعني أنهم على استعداد لأن يقاتلوا بشراسة للذود عن ذلك البلد، وهذا ما يفعلونه اليوم. وعلاوة على ذلك هناك الطبيعة الطبوغرافية التي تساعدهم على الكر والفر دون أن يتمكن العدو من الوصول إليهم بسهولة، إذ إن أفغانستان عبارة عن بلد جبلي في معظمه، جبال شاهقة وعرة تكسوها غابات كثيفة وتمكن أصحابها الذين يعرفون كل شبر فيها (تنعكس على نفسية الأفغاني فتجعل منهم جبالاً راسية في وجه الغزاة) وتساعدهم على المناورة في التقدم لمهاجمة العدو والتراجع والاختفاء في الوقت المناسب. ومن المعروف أن القتال في مثل هذه الميادين الجبلية يحتاج إلى أجسام قوية وأجساد مقاومة للتعب والبرد، وهذا ما يتمتع به المقاتل الأفغاني. وفي الحقيقة يمكن القول أن الطبيعة الجغرافية الأفغانية تقف إلى جانب المقاتل الأفغاني، فهي تعطيه المقومات التي يفتقر إليها المقاتلون الغزاة، وهذا يعني عدم تمكن الغزاء من الصمود والاستمرار في ذلك البلد. فهم لا يستطيعون مجاراة الأفغان في صعودهم سلاسل الجبال الشاهقة ولا في هبوطهم إلى الوديان السحيقة، وهم لا يتمتعون بتلك اللياقة الجسدية التي تؤهلهم إلى الصمود والاستمرار في ذلك البلد وليس أمامهم إلا الرحيل عاجلاً أو آجلاً. وليس لنا إلا أن نقول إنها قوة أفغانستان التي تلحق الهزيمة بكل من يصل إليها وتقهر الغزاة مهما كانت قوتهم. ولقد أثبت التاريخ ذلك وهو خير شاهد على هزائم المحتلين الذين حاولوا البقاء فيها ولكن الجميع اضطر على أن يحمل عصاه ويرحل، وهذا ما ينتظر القوات المتعددة الجنسيات في الوقت الحاضر، فالدلائل كثيرة والمعطيات كلها تقول إن هذه القوات راحلة - راحلة.
|
|
|
| |
|