| |
هذرلوجيا مأتم في الربيع سليمان الفليح
|
|
ما إن يحل (الوسم) حتى يأخذ أغلب سكان الجزيرة العربية بالحملقة في الغيم بانتظار بشائر المطر. وما إن تلوح (مزنه) قادمة حتى تهللت وجوهم بالبشرى واغتسلت برذاذ الفرح ورقصت قلوبهم فرحاً بمجيء الخير وذلك لأنهم يعرفون جيداً أنهم بانتظار ربيع بهيج يكسو صحراءهم الجرداء وكثبانهم التي تذروها الرياح بعباءة خضراء موشاة بالاقاحي والنفل والخزامى والحوذان وتطرح فقاقيع الكمأ في ثنايا الأعشاب وتمارس أم سالم أو (المكأ) أبهى الأغاريد في سمائها الزرقاء وإذا ما استمر تتابع (مجاهيم السحاب) تسوقها الرياض الرؤوم وفلت جدائلها المائية الامزان لتلفح على أديم الأرض المتعطشة للحب والعناق، أقول إذا ما استمر هذا التتابع السخي والحميم والكريم وتحول الديم إلى الغيث وغمر بخيره البلاد والعباد وامتلأت منه الأودية والشعاب، أقول إذا ما حدث ذلك بفضل من الله العلي القدير،سرعان ما شد أهل الجزيرة (مطاياهم الحديدية) واتجه كل منهم إلى المكان الذي يرنو إليه تماماً مثلما قال ذلك الشاعر (الحضري) حينما تفرق من حوله أهل البادية (القاطنون) ما إن (خايلو) البرق فأصبح كل منهم: (في الربيع وكل بيت في مكاني.. متى يجئ القيظ يجمعهم عليّ) وذلك لأن أهل البادية عادة لا يجتمعون إلا على (المقطان) حيث تجف الحذران والخباري ولا تبقى سوى (العدود) والآبار ولربما السدود بالقرب من المستوطنات والقرى والهجرات الحضارية التي يقطنها أهل الحاضرة حيث تقام علاقة إنسانية رائعة بين أهل الحاضرة وأهل البادية الذين لا يفرقهم إلا الربيع حيث ينجع كل بدوي بأهله وإبله إلى مساقط المطر ومنابت الكلأ. *** أقول ما إن تهطل الأمطار حتى قام أسلافهم بممارسة النزهات و(الكشتات) واتجهوا إلى مرابع أهاليهم القدامى مثل الصمان والنفود والحماد والدهناء والفياض والرياض المعشبة القريبة من المدائن والقرى، ولكن المشكلة تكمن اليوم وللاسف الشديد بكثرة حوادث السير واكتظاظ تلك الطرق المؤدية إليها بالمسافرين والمتنزهين و(الكاشتين) أيضاً وكذلك (ببعض) الشباب الرعناء والمتهورين الذين لا يعيرون بالاً بل (وبالاً) عليهم وعلى الآخرين الذين تغمرهم السعادة وهم يحتفون بمقدم الربيع ولكي ترى المنظر على حقيقته فما عليك إلا أن تتجه إلى مثلث (الخزامى) حيث يلتقي المتنزهون القادمون من الرياض سواء أكانوا عن طريق المطار الثمامة أو الرياض - الثمامة بالمتنزهين العائدين من رحلاتهم الربيعية، إذ إن هذا المثلث أصبح يشبه تماماً مثلث (برمودا) المشهور وذلك لكثرة الحوادث فيه وذلك لأن ذلك المثلث ليس عليه إشارة كما أنه من المحتم الآن أن تقف يومياً عليه دورية مرور لتلافي الحوادث والتحكم بتهور الشباب الذين يقودون سياراتهم برعونة ودراجاتهم أيضاً وذلك لئلا يصبح الفرح بالربيع مأتماً فدعونا نمارس الفرح بموسم الفرح بلا أتراح.
|
|
|
| |
|