| |
الحبر الأخضر الراكضون على جماجمنا المُفرغة د. عثمان بن صالح العامر
|
|
يقول Will Roqers (ويل روجرز): حتى لو كنت على الطريق الصحيح سيدوسك الراكضون إذا اكتفيت بالجلوس)، لقد توقفت متأملاً في هذا القول كثيراً.. كتبته على ورقة صغيرة وبخط كبير ووضعتها فوق رأسي حين هممت بالنوم مساء يوم الجمعة الماضي.. أعدت النظر فيه مرة تلو أخرى حتى حفظته، ذلك لأنه - في ظني - رغم محدودية كلماته وقلة حروفه يغني عن كثير من مشروعات العرب النهضوية المطروحة بين أيدينا من أجل أن تكون لنا بمثابة طوق النجاة من الغرق في بحر العولمة الهائج اليوم.. يغني عن الخطب والمحاضرات والندوات والمؤتمرات السياسية والفكرية والاقتصادية وغيرها كثير التي تحاول جاهدة تلمس الداء وتشخيص الإشكالية الحضارية التي نمر بها.. يؤسس بإيجاز لنظرية فاعلة وصريحة للنهوض.. يعطينا ضمناً الإجابة المحرجة لنا أمام الأجيال القادمة عن السؤال القديم المتجدد: (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟)، وهو قول رغم صدوره عن غيرنا، إلا أنه ينطبق علينا نحن المسلمين عموماً والعرب خصوصاً، وعلى وجه أخص نحن أهل الخليج أكثر من غيرنا، ولا سيما في هذا العصر زمن العولمة القاسي في ثوب الشفافية والحرية والتقدم والمدنية.. زمن العولمة الذي يتسابق فيه بنو البشر أفراداً وجماعات من أجل ضمان البقاء شعوباً وحكومات بسلامة وأمان ورخاء، وفي سبيل تحقق الشهود الحضاري والثقافي العالمي الفاعل، إضافة إلى النظر بمفاتيح عمارة الأرض المناسبة لهذا الزمن، وعلى هذا الجزء أو ذاك من أرض الله الواسعة وفي كل المجالات التنموية بلا استثناء.. إن التسابق أو الركض بين الدول والجماعات الإنسانية والمجتمعية بل وحتى الأفراد في عالمنا اليوم حقيقة يعيشها الجميع ويرونها بأم أعينهم صباح مساء، وهو - التسابق - كما أعرف سنة من سنن الله في خلقه، وربما أفضى للصراع والمدافعة ولا تنافي بين دخول هذا المضمار والضرب فيه بسهم ومحاولة تحقيق قصب السبق، وبين التعبد لله كما يعتقد بعض المنظرين الذين يذهبون في قولهم هذا مذهب فريق من المتصوفة الزهاد المعروفين، إذ إن عمارة الأرض لون من ألوان العبادة لله، مع وجوب الإشارة هنا إلى أن هناك فرقاً كبيراً في منهجية السير وبواعثه ومنطلقاته وغاياته بين المسلم الحق وغيره والنية والمتابعة هما أس الاختلاف.. الشاهد أن ما نردده في كل مناسبة أننا ننتمي إلى دين عظيم بنى الأمجاد، وفتح البلاد، وأسس حضارة غيرت مجرى التاريخ، كل هذا لا يغني ولا يسمن من جوع، إذ لم نوظف ما بين أيدينا ونتعامل معه كمعطى ناجز للانخراط في عجلة التفاعل الحضاري التي تدور رحاها لتطحن بأضراسها ما كان عصياً عن الطحن من قبل حتى أضحى أمرنا يرثى له مع المتغيرات السريعة التي تحيط بنا وتلفحنا رياحها مع كل نسمة هواء تهب علينا من أي الجهات الأربع كانت.. نعم إننا (على الطريق الصحيح)، ولكننا اكتفينا (بالجلوس) حتى أصابنا النعاس من طول البقاء على هذه الحال، وجزماً نام كثير منا وهو جالس.. والنتيجة الطبيعية التي أشار إليها (روجرز) (داسنا الراكضون).. مشى على جماجمنا المارون الذين قد تتقاطع سككهم في الحياة مع طريقنا الذي رضينا أن نجلس في إحدى زواياه المظلمة.. إننا أمة ليست بحاجة إلى استيراد نظريات ترشدها للطريق الصحيح، فنحن من يملك الحق وعنده الصراط المستقيم، يكفي التجارب النهضوية العربية السابقة التي أسست على أيديولوجيات فكرية وافدة لم نجنِ منها إلا النكوص إلى الوراء، من الخطأ القول إننا كما نستورد المخترع التكنولوجي لا بد أن نستورد المنهج والمصطلح والفكرة، فهذا يطور اللغة ويخلق الإبداع وينمي الفكر، والمحصلة النهائية تحريك الطاقة الفاعلة للتقدم والبناء.. من الخطأ أن نظل نجتر الماضي الإسلامي والعربي المجيد دون أن نؤسس عليه حاضراً عظيماً.. إننا لسنا بحاجة إلى مثقفين يقفون على أرض الغرب، كما أن الأمة الإسلامية بغنى عن المثقف الذي يكتفي بالتغني بما كان، ولا يعني هذا نسف الماضي هروباً من وصمة الماضوية والرجعية، كما لا يستلزم إغلاق الأبواب وإقفال النوافذ في وجه الثقافات الأخرى، بل لا بد من المعرفة والمقارنة دون الارتماء والتصفيد.. إننا باختصار أشد ما نكون حاجة إلى المثقف الذي تمكنه مرجعيته الثقافية من وضع الفواصل الحقيقية بين الأنا والآخر، ولا توقعه في عملية الانصهار بين الطرفين - الأنا والآخر - ولا تؤدي إلى هيمنة الآخر على الأنا هيمنة ثقافية تسلبه كل معالمه التكوينية وتطمس ملامح هويته الحضارية.. لنترك حالة الجلوس أيها العقلاء ولننهض للعمل الجاد ولنحث الخُطى نحو الأمام في مضمار السباق الحضاري حامي الوطيس.. وهذا طبعاً ليس بالأمر السهل الهين، إذ له تبعات ومستلزمات عدة أترك الحديث عنها في مقال قادم بإذن الله.
|
|
|
| |
|