| |
الأمير عبد الله بن فيصل الفرحان (سيرة عطرة) د. محمد المشوح
|
|
كنا نسكن في بيت يقبع فيما يعرف عند أهالي بريدة (بالعجيبة)، وكانت بيوت أسرتنا وأعمامي تقع بجوار مسجد يسمى مسجد الشيخ علي السالم قاضي محكمة بريدة (رحمه الله). وكانت صلاة الجمعة تُقام في أحد الجوامع القريبة ويدعى جامع (ابن فيصل)، هكذا وأحياناً يسمى جامع الجردان نسبة إلى إمامه الشيخ إبراهيم الجردان - رحمه الله - ويشاء الله أن أتولى إمامه ذلك الجامع سنة 1412هـ، وخلال بحوثي عن تاريخ بريدة استرعى انتباهي نسبة ذلك المسجد إلى ابن فيصل. رجعت ذات مرة إلى كتاب الأخ الدكتور عبد الله الرميان (مساجد بريدة القديمة)، وإذا به يشير إلى أن المسجد نسبة إلى أمير القصيم عبد الله بن فيصل الفرحان، حيث يقول ما نصه - يقع شرق شارع الخبيب وشمال شارع الخالدية، بُني سنة 1363هـ تقريباً على نفقة الأمير عبد الله بن فيصل آل فرحان، أمير بريدة سابقاً، وكان في السابق مجاوراً لبيوت أُعدت للضيافة من قِبَل إمارة البلد، ثم عمرت البيوت المجاورة له وسكنت بعد إنشائه، إلا أن المهم هنا أن يصحح هو أن بناء المسجد كان لوالدة الأمير عبد الله الفيصل الفرحان - رحمه الله - وبناه وعمره على نفقته - رحمه الله. كان اسم الأمير عبد الله بن فيصل الفرحان -رحمه الله - يتردد عليَّ كثيراً إبان اطلاعي على عددٍ من الوثائق والأوراق والمكاتبات التي كانت لأهالي بريدة. استرعى انتباهي كثرة منحه أو ما يُعرف إقطاعاته وساءلت بعض المعاصرين للأمير رحمه الله فأفادوني بمعلومات دقيقة مهمة عنه - رحمه الله - وإمارته وتدبيره فيها على القصيم والتي تجاوزت اثني عشر عاماً. هزني نبأ وفاته - رحمه الله - لأنني كنت استمع إلى ثناء دائم على شخصيته المتميزة واستقامته وسلوكه وأخلاقه. والأمير عبد الله الفيصل الفرحان - رحمه الله - أحد طلائع جيل الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله، وقد عاش مائة عام ونيَّف قضاها في خدمة دينه ومليكه ووطنه في مواقع ومسئوليات متعددة، كان فيها نعم المسئوول والأمير والمؤتمن. سألت شيخي الشيخ العلامة محمد العبودي عن معلوماته وما تختزنه ذاكرته عن الأمير عبد الله الفيصل، وإذا به يحكى سيلاً من الذكريات الدقيقة والمفصلة عنه - رحمه الله - بدءاً من ساعة وتاريخ يوم قدومه إلى بريدة والتي قيدها العلامة العبودي آنذاك. وها هو الشيخ إبراهيم آل عبيد - رحمه الله - في كتابه تذكرة أولي النهي والعرفان يحكي قصة قدوم الأمير إلى بريدة فيقول في سنة 1354هـ أعفى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - مبارك بن مبيريك وجعل مكانه عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود وكان شاباً عاقلاً ولما أن قدم بسيارته إلى المدينة ذهب مبادراً بالسلام على القاضي الشيخ عمر بن محمد بن سليم في بيته وسعى إلى الملأ من الأهالي في بيوتهم وكان قدومه في منتصف السنة يصحبه أهل بيته وفي صحبته أخوه الأمير فهد الفيصل وكان رجلاً حازماً مؤزراً - انتهى. لقد كان للأمير عبد الله الفيصل الفرحان - رحمه الله - مآثر عديدة ومحامد لا حصر لها والتي يمكن ذكر طرفاً منها. ففي سنة 1361هـ قام بتخطيط الأرض الواقعة شرق الخبيب ببريدة إلى آلاف القطع السكنية وقام بمنحها على عدد من المواطنين وخصوصاً الفقراء والمحتاجين بلا مقابل وكان لتلك أثرها على الناس كافة، فتملك الناس بيوتاً وعمروها وصارت آنذاك أحدث أحياء ونواحي بريدة. ومن مآثره - رحمه الله - حزمه على المجرمين وتطبيقه للحد والشريعة وعدم تساهله مع المفسدين في الأرض. ويذكر أهالي بريدة أنه انتشر في حدود سنة 1358 هـ سرقات من بعض الدخلاء على البلد وفشت السرقة وساد الهلع لدى الناس فما كان - رحمه الله - حين صدر الحكم الشرعي على أولئك المجرمين إلا أن بادر بتنفيذه وقطع أيديهم وتعليقها في الجردة لتكون عبرة للناس كافة. ومن مآثره - رحمه الله - حسن علاقته ومحبته للعلماء وخصوصاً قضاة بريدة ابتداءً بالشيخ عمر بن محمد بن سليم المتوفى في ذي الحجة سنة 1362هـ وكذلك الشيخ محمد بن عبد الله بن بليهد - رحمه الله - الذي تولّى قضاء بريدة لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر خلال إمارة الأمير عبد الله بن فيصل وانتهاء بالشيخ عبد الله بن محمد بن حميد - رحمه الله - الذي بقي في قضاء بريدة حتى انتهاء إمارة الأمير عبد الله بن فيصل. ومن مآثره - رحمه الله - إنسانيته وتواضعه ولطفه مع الناس ويتذاكر الرواة قصة أولئك النفر الذين سقطوا في بئر فيما يعرف ب(الحافة) شمال النقع سنة 1359ه فما كان منه إلا أن ترك أعماله وبادر إلى الموقع والمكان وأخذ يعمل بيده ويحفر مع الناس للبحث عن المفقودين حتى طلب الناس منه التوقف وقد حمدوا وشكروا الله هذا التواضع واللطف. ومن مآثره - رحمه الله - أنه أصاب الناس أثناء قيام الحرب العالمية مجاعة وفاقة وجرب وذلك في حدود سنة 1363هـ، فبادر - رحمه الله - إلى فتح مضيف للناس على نفقة الحكومة وجعل فيه الموائد والطعام وكفاهم حاجة الأكل والشراب وبقي هذا المضيف قائماً مدة طويلة حتى انكشف الجدب وزالت الحاجة. وهكذا بقي في إمارته حتى شهر ربيع الأول 1366هـ وغادر بريدة بعد ما عاش فيها فرداً منهم يغشى مجالسهم ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم عطوفاً على الفقراء حازماً على المفسدين والسفهاء ومحباً للعلماء. وفي يوم الاثنين 29-10- 1427هـ صلى الناس على هذا الأمير الشهم الجليل مأسوفاً على فقده بعد حياة حافلة بالعطاء مليئة بالإنجازات في خدمة دينه ومليكه ووطنه وها هو نجله المبارك الأمير عبد الرحمن يخلفه في مسئولية جديدة وثقة كريمة في تعيينة محافظاً للمجمعة ليواصل نهج والده المبارك وأسرته الميمونة العريقة وفق تطلعات ولاة أمرنا حفظهم الله. غفر الله للأمير الصالح الجليل عبد الله بن فيصل الفرحان وبارك في عقبه.
|
|
|
| |
|