| |
أزمة الأسهم .. قراءة مختلفة عبد السلام محمود القرعاني
|
|
قد لا يحمل هذا المقال جديداً، إلاّ أنّ الحقائق تبقى هي الغالبة ولا يمكن أن تستبدل بكلام مختلف فقط لاختلافه، ويظل القلق هو المسيطر على الوقوف على تشخيص العلة. إنّ ما يتجرعه سوق الأسهم من تدهور في تماسكه والثقة فيه، إلى الدرجة التي تجعل من الحابسين أنفاسهم ينتظرون لحظة الفرج ليتنفسوا الصعداء ببيع ما يستطيعون عسى أن ينجوا من دائرة الخسارة أو الإفلاس، والإشكال الكل ينفي مسئوليته عما حدث ويبرئ نفسه وساحته بدعوى أنّه غير قادر على إصلاح ما أفسدته بعض التصرفات، فهل من المعقول أن نستمر بمراجعة نفس الطبيب الذي أخبرنا أنّه عاجز عن تقديم الدواء للمريض .. هل نبحث عن أطباء آخرين عسى أن يجعل الله الشفاء على أيديهم؟؟ وهل يحق لنا السؤال بصيغة .. هل يمرض رأس المال ويكبر ثم يهرم ويموت؟؟ الإجابة من وجهة نظري: نعم كل ذلك يحدث عندما لا يجد البيئة الصالحة لمراعاته وتنميته التنمية السليمة. والسؤال الثاني: هل دور حضانة رؤوس الأموال لدينا جديرة بالاهتمام به فنركن إليها ونثق بها؟؟ ودور الحضانة والرعاية عندنا تنحصر في البنوك وصناديق الادخار والاستثمار، وعلى هذا التأسيس يمكن لنا أن نبحث في دور البنوك في ما حدث ويحدث في أزمة الأسهم ، ومن خلال ما يردده الكثير من أسئلة حول دور البنوك في تعميق جذور أزمة الأسهم، ورأي آخر نقيض قد يرى فيها حل هذه الأزمة وكيف تصرفت البنوك حيالها؟ أم أنّ دورها اقتصر على دور المتفرج بل وأحياناً المؤدي إلى احتمالات خاطئة من قِبل المضاربين في الأسهم؟ فكثير من المتعاملين مع بعض البنوك آلياً لم تنفذ طلبات بيعهم رغم أنّهم أعطوا تأكيدات بالتنفيذ الآلي في بداية طرح الأسهم للتداول، وأحياناً باللجوء إلى طرح أسهم المحافظ أو الصناديق الاستثمارية خشية عدم تحصيل مبلغ التسهيلات، ذلك أنّ البنوك دعمت تضخم أسعار العديد من الأسهم ثم تخلّت عن دعمها، فهل يرجع السبب إلى الضوابط التي تضعها مؤسسة النقد في تسيير أعمال البنك والتزاماته ومسئولياته؟؟ أم إلى الأنظمة التي تسنّها هيئة سوق المال ومدى توافر انسجام بينهما؟ كذلك الإجراءات التي اتخذتها بعض البنوك بإقفال محافظ بعض المستثمرين حال انخفاض سعر الأسهم إلى الحد الذي يساوي قيمة التسهيلات، وهو نفس التصرف الذي يمكن أن تلجأ إليه صناديق الاستثمار بهدف تقليص الخسائر. فهل هذه التصرفات محكومة من قِبل هيئة سوق المال أم من قِبل الجهة المراقبة للأنشطة البنكية؟ وهل هناك أي ضوابط لذلك؟ وإن وُجدت فهل أعلنت وتم الإفصاح عنها لكل متعامل مع البنك عند فتح حساب محفظة أو حساب استثمار؟ أو على الأكثر أعلنت للملأ؟؟ ومن هنا أرى أنّ البنوك يمكن أن تتحمل مسؤولية في دعم انخفاض المؤشر، ففي الوقت الذي يجب عليها فيه تشجيع منح التسهيلات للدخول في سوق الأسهم نجدها تحجم عن ذلك، بينما تشجع في الوقت الذي يجب أن تحد من حجم الداخلين للسوق. ولو رجعنا إلى أنفسنا وسألناها: بأي حق نعاتب البنك طالما أنّه لم يحدد له نطاق يتحرك خلاله؟؟ وللتعرف على دور البنوك في دول أخرى، فإني وجدت في مكتبة الكونجرس الأميركية ما يبين أنّ البنوك الألمانية الكبرى مثل بنك دوتش، بنك دريسدنر وبنك كومرز، بالإضافة إلى بنوك أخرى متوسطة وصغيرة، كلها تتبع سياسة تملُّك أسهم في كبرى الشركات الألمانية وتتراوح نسبة تملُّكها من 25% إلى 28 % من أصول تلك الشركات ، وعلى هذا الأساس فإنّ مجالس إدارات تلك الشركات هي مراجعة أو مدقق عليها من قِبل مجالس إدارات أخرى، ورغم أنّ البنوك لا تتجه إلى تقليص الصناعة أو التدخل بالقرار كما سبق وأن أشرنا، وإنّما يقتصر دورها على الرقابة على ما قد لا يتمكن الآخرون من مراقبة تصرفاتهم، ولذا فإنّ الشركات تقبل بالتدخل البنكي لأنّها ترى في تواجد البنك استمرارية لها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فالبنوك أكثر حرصاً على تقليص نسبة المخاطرة والاكتفاء بتوزيع معدّل أرباح منتظم ومعتدل، ولتوفر المصلحة المشتركة سوف يكون الدور البنكي أكثر إيجابيه، وسوف توجد رقابة تلقائية للشركات التي تعاني من خسائر أو تعثر في تحقيق أهدافها وبرامجها. وفي المقابل نجد أنّ بنوكنا المحلية قد غطت جميع تسهيلاتها بضمانات تفوق مبلغ تلك التسهيلات، فهي غير معنية بأداء المقترض طالما ضمنت استرداد قيمة التسهيلات، ولأنّ القطار تجر عرباته بعضها بعضاً فانّ الانخفاض سوف يؤدي إلى انخفاض عام في كافة القطاعات، ولأنّ مصير النقد أخيراً إلى الخزائن البنكية لتصبح هي المسيطرة، فيمكننا أن نقدِّر الأمور ونقيس على أساسها. من ناحية أخرى، فإنّ الإيداعات والتعامل مع البنك مبني أصلاً على أساس الثقة والأمانة، وعليه فإنّ البنك من المفترض أن يكون مؤتمناً، والمؤتمن ضامن، ولذا فإنّ خسارة الأسهم في المحافظ الاستثمارية التي تدار من قِبل البنوك توجب على البنوك تقديم الوثائق والمستندات والإثباتات بأنّ التصرفات التي تمّت من قِبل مديري المحافظ والصناديق كانت تصرفات سليمة، وأنّ الذين قاموا بها هم على مستوى من التأهيل الذي يمكنهم من التصرف بأموال المستثمرين. وكما سبق فإنّ المؤتمن ضامن، وأنّ ضمانه يتمثّل في أهلية المتصرفين فيه بما لا يودي تصرفهم بأي ضرر على مبلغ الأمانة الاستثمارية، أو الاقتصاد برمته، ولما كان الانخفاض في الأسهم قد يكون معبراً عن خلل في انتظام الدورة الاقتصادية ودوران النقد، لذا نجد أنّ الانخفاض الملحوظ في أسعار الأسهم إلى أرقام قياسية مع عدم وجود طلبات شراء، لهو دليل واضح على عدم توفر السيولة في أيدي الأغلبية وانحباسها في نقطة معيّنة. وعلى هذا الأساس فإنّي أرى أنّ الحد الأدنى من الإجراءات التي يجب أن تتخذ حيال كبح جماح هذا العملاق، هو أن يحدد للبنك حد قانوني أدني لقيمة السهم السوقية، مثل نسبة معيّنة من قيمته السوقية يوم الشراء، فلا يحق له أن يبيعه دون هذه القيمة المحددة .. بمعنى أنّه إذا كانت قيمة السهم السوقية يوم الشراء 100 ريال مثلاً، فإنّ نسبة الانخفاض يجب الاّ تزيد على 30% مثلاً، فتصبح قيمة السهم المضمونة 70 ريالاً. فإذا قرر البنك بيع أسهم الصناديق أو المحافظ التي بنيت على تسهيلات أو تلك التي تدار بمعرفة البنك وبأموال المستثمر بقيمة دون القيمة المضمونة، فإنّ البنك يتحمّل الفرق بين القيمة القانونية المضمونة وقيمة البيع التي تصرف بها، وبهذا نحد من التدهور السريع الذي يعجل به الكثير من البنوك.
|
|
|
| |
|