| |
(ساس المشراق)
|
|
تغرب الشمس صفراء بقطع من السحب بعد يوم مشرق يخيم الظلام على القرية، يعم الهدوء أرجاءها، ينادى لصلاة المغرب، بعض الرجال بعد الصلاة يفضِّلون البقاء بالمسجد حتى صلاة العشاء، تخلو بعدها أزقة القرية من الناس، الكل يلزم بيته تشاهد هنا وهناك أنواراً خافتة تخرج من بعض المنازل غالباً ما تكون أنوار سرج، وتشم رائحة النار، يهجع الجميع إلى فرشهم تصل السراية (سحب الليل) تشعل السماء ببرقها وتهز الأرض برعدها، يبدأ التسبيح (سبحان من سبّح الرعد بحمده) تمطر السماء، تعجز المثاعب عن تصريف الأمطار، تبدأ أسقف البيوت الطينية بالخرير تبتل قطيفة الدف تحاول الأم جاهدة تغطية أبنائها ونقلهم إلى مكان أكثر أمناً من المطر، يخرج الأب وقد وضع كيساً من الخيش بطريقة ذكية على رأسه إلى مزرعته (الحائط) بظلام دامس ليطمئن على دخول السيل بشكل سليم ويطمئن على العقوم قد يكون الفأر قد اخترقها لتنقطع وتذهب السيول، الجميع مع ساعات الفجر الأولى قد فارقهم النوم شوقاً لرؤية سيل القرية مع ساعات الصباح الأولي ينادى لصلاة الفجر، يمتلئ المسجد بالصغار على غير العادة، أشرقت الشمس على هدب الأثل وأغصان الرمان، وقد ابتلت من المطر وغمرت السيول جذوع النخيل الوحل بكل مكان مع برد قارس يخيّم على الأجواء، يجتمع صغار وصغيرات الحي ويختارون (ساسا) لجدار من الطين مقابل لأشعة الشمس وغالباُ ما يكون ذاريا يصطف الجميع متكئين عليه مقبلين بوجيههم إلى الشمس علّها تعطيهم الدفء لساعات تحلو معها سوالف المشراق وقد وضع كل واحد منهم خطا أمامه اختطه بالثرى حتى لا يقطع عليه آخر متعمدا أشعة الشمس الذهبية، فما أجمل المشارق فهل تذوقتم طعمه بصباح ليلة ممطرة باردة.
خليفة الخليفة
khalifa_m2@hotmail.com |
|
|
| |
|