| |
أحداث كلية اليمامة محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ
|
|
(أزمة الثقافة العربية) كانت المحاضرة الأولى التي أحيتها (كلية اليمامة) الأهلية، تلك الكلية الفتية التي حاولت أن تسهم في الحراك الثقافي التي تشهده البلاد من خلال تنظيم أسبوع ثقافي يجتمع فيه كل أطياف المجتمع الفكرية، وليس توجُّه واحد كما يريد المتطرفون ومنظِّروهم. هذا التوجُّه لاقى منذ أن أعلن عنه حملة منظمة شارك فيها أسماء لامعة من المتطرفين وأساطينهم الذين تعودوا على (تنظيم) الاحتجاجات وقمع الأصوات التي تختلف معهم بأية وسيلة، مستخدمين حماس (الشباب) غير الواعي والمؤدلج لتنفيذ مآربهم، وتعطيل أي حراك ثقافي يقوم على الحوار والرأي والرأي الآخر، ففي أعرافهم وموازينهم المتخلفة والمتحجرة ليس ثمة إلا آراؤهم، وليس هناك (حقيقة) إلا تفسيراتهم وتأويلاتهم، ومَن اختلف معهم فلا بد من مقاومته بأي وسيلة، حتى وإن وصل الأمر إلى القوة مثلما حصل في العمل المسرحي الذي كان ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي لتلك الكلية الذي شهد أحداثاً مؤسفة كما هو معروف. ومثل ردّات الفعل هذه كان يجب أن نتوقعها منذ أن حدث مثلها في الندوات والمحاضرات التي واكبت معرض الكتاب. كان المتنادون آنذاك للحضور من المتطرفين قد جاؤوا ليقولوا: (لا) للتعددية والحوار، و(نعم) للأحادية الفكرية القمعية التي يمثلونها هم دون غيرهم، وغاية ما يسعون إليه أن يفرضوا آراءهم بالقوة، في محاولة (لخنق) أي حراك ثقافي في مهده.. وكلنا قرأ، أو سمع، كيف كانت تصرُّفات بعض جهّالهم وبعض من أساطينهم إبان إحدى المحاضرات التي شارك فيها ثلّة من كبار مثقفي البلاد أثناء الفعاليات المصاحبة لمعرض الكتاب.. ولأننا لم نواجه تلك الأحداث كما ينبغي آنذاك فقد فهم أساطين المد الصحوي المتطرّف أن (الإمعان) في التخريب وإثارة الفوضى والشغب من شأنه أن يجعل السلطة تجد نفسها مضطرة إلى إلغاء أية فعالية ثقافية أو حوار ثقافي من شأنه (توعية) الناس بضرورة الاحتكام إلى النقاش والمناظرة عند الاختلاف، وتعويد (العامة) على الأخذ والعطاء والنقاش وتداول الأفكار، بدلاً من أحادية الرأي وتكميم أفواه المخالفين.. وغنيّ عن القول أن (المفلس) هو الذي يخشى الحوار، ومن يشعر في أعماقه أن حجّته ضعيفة واهية هو الذي يلجأ إلى الشغب والشوشرة والتخريب و(المنع) بأية وسيلة. هذه حقيقة يعرفها الصغار قبل الكبار، وليس لديّ أدنى شك أن أولئك الذين (تداعوا) إلى حضور فعاليات كلية اليمامة الثقافية جاؤوا وقد شُحنوا إما برسائل الجوال وإما عن طريق مواقع المتطرفين في الإنترنت ليواجهوا هذه الفعاليات ليس بالحوار والأخذ والرد، وإنما بالشغب والفوضى؛ لأن حجَّتهم أوهى من بيت العنكبوت. ما حصل في كلية اليمامة - أيها السادة - من أعمال الشغب يجعلنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن (نذعن) لأساطين التطرف والتخلف الانتهازيين ونتراجع عن الحوار وما نتج عنه من حراك ثقافي، وإما أن (نصمد) بكل قوة وإصرار ونفرض الحوار فرضاً على (الآخر المتطرف) الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لإلغاء أي حوار، وتفريغ هذا التوجه الحضاري من مضامينه، ليبقى ممسكاً (بتلابيب) ثقافة شبابنا يسوقهم إلى التخلف والفوضى والرأي الأحادي، وفي النتيجة إلى الإرهاب.. ونحن جزء من هذا العالم، وعندما نعيش بفكر هؤلاء المتخلفين، وشروطهم، وفهمهم للحقيقة، أو ما يفترضون أنه حقيقة، يعني أننا سننعزل عن عالمنا، وننأى عن التعايش مع عصرنا، وسنجد أنفسنا حتماً - إن نحن قدّمنا لهم ولابتزازهم أية تنازلات - نعيش خارج المكان والزمان ثقافياً وحضارياً، لنعيد تجربة طالبان المقبورة، أو نكاد. لذلك لا بد من مواجهة هذا الفكر المتطرف الذي يرفض الحوار، ويخاف من المناظرة، ويسعى بأساليبه الملتوية إلى إجهاض حلّ خلافاتنا الفكرية بالحوار وتبادل الآراء ووجهات النظر. الأمر الآخر الذي لا بد من أن نأخذه في الحسبان أن (نعي) تماماً أن ما حصل في فعاليات معرض الكتاب الثقافية قبل أشهر، وما حصل في فعاليات الأسبوع الثقافي لكلية اليمامة، كان عملاً (منظماً) أقرب إلى العمل الحزبي، فالأسماء التي (قادت) المتطرفين آنذاك هي التي قادت المتطرفين في اليمامة، ومن (احتلوا) المقاعد الأولى في فعاليات (كلية اليمامة) هم تقريباً نفس من أتوا إلى فعاليات (معرض الكتاب) وأداروا ما سمّوه حملة (الإنكار). وعندما نتراجع، أو نوحي لهم بأية تراجع، فإنهم سيتمادون، وسوف يتشجعون في التمادي في (الابتزاز) والتقدم أكثر، وكسب مساحات أكبر من الحيز الثقافي المتاح قدر استطاعتهم، الأمر الذي يجعلنا نعود وإياهم إلى نقطة الصفر من جديد. أعود وأكرّر القول: إن مواجهة هؤلاء المتطرفين أصبحت (حتماً) وليست خياراً، ولا أعتقد أن سياسة (إمساك العصا من المنتصف) سياسة ناجحة مع هؤلاء؛ فالأمر لم يعد يحتمل أنصاف الحلول أيها السادة.
|
|
|
| |
|