| |
ظواهر ومظاهر من الواقع اليومي قراءة ما بين السطور د. يوسف سليم قرنوب/ اختصاصي باطنية - مستشفى/ الأمير فيصل بن فهد للطب الرياضي
|
|
بأسلوب هادئ رصين وعبارات بسيطة (رومانسية) عرضت السيدة جواهر الدهيم مؤلفة كتاب (مظاهر وظواهر) موضوعات شتى ذات ارتباط وثيق بحياة الناس. بعض هذه الموضوعات هو من دائرة المجتمع السعودي وبعضها الآخر إنساني عام وبذلك يكون الكتاب ككلّ أشبه بالفحص المخبري الشامل Check up الذي يخضع له المرء بين حين وآخر لمعرفة ما حدث في الجسم من تغيرات، وبذلك يمكن صنع الحلول المبكرة (للمظاهر) السلبية قبل أن تتحول إلى (ظواهر) دائمة ومؤذية. والمؤلفة من مواليد مدينة الدرعية وقد درست التاريخ في جامعة الإمام كما درست اللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة وهي تعمل في مجال التعليم والصحافة وكتابها (مظاهر وظواهر) هو الأوّل وهو حتماً ليس الأخير. البيت أولاً فالأسرة حجر الأساس في بناء المجتمع السليم وهو الذي (ينبت الغرس الصالح الذي يفيد نفسه ويفيد مجتمعه) وتركّز الكاتبة على دور المرأة الزوجة والأم في سعادة البيت واستقراره وترصد الكثير من الظواهر السلبية في البيوت من مثل: - تسريب الزوجة لمشاكل بيتها إلى الأهل والجيران مما يجعل المشاكل تتفاقم والبيت يتصدّع. - إهمال الزوجة لزينتها وأناقتها أمام زوجها في المنزل في حين لا تنسى ذلك مع الصديقات. - النكد الذي تتقنه بعض الزوجات حيث يستقبلن الزوج فور عودته من العمل بحفنة من المشاكل وبذا يتناول الزوج المسكين (وجبة من النكد قبل الغداء). - إهمال الأم تدريب بناتها على المهارات المنزلية التي تفيد منها في المستقبل. - عدم الانتباه للأطفال أثناء اللعب مما قد ينتج عنه حوادث مؤسفة. - الاعتماد في تربية الأولاد على (الشغالة) التي (لا يمكن أن تكون أماً) بحال من الأحوال. ولم تنسَ المؤلفة أنْ تُذكِّرَ الأولاد بفضل الوالدين وضرورة البّر بهما وكسب رضاهما في كل حين وألا تكون الأعمال والمشاغل ذريعة لإهمال ذلك. المدرسة والجامعة وهنا تعرض المؤلفة لكثير من الظواهر السلبية من خلال خبرتها الطويلة في مجال التعليم ومن هذه الظواهر ما يعود للطلبة أنفسهم مثل: - التقاعس في الدراسة وعدم بذل الجهد الكافي والتذرع بصعوبة المناهج. - التأخر من الحضور في بداية العام الدراس بحجة أن الدراسة لم تنتظم بعد. - إخفاء الأبناء سجّل الدرجات عن والديهم وكذلك الدعوات التي توجهها الإدارة لأولياء الأمور لمناقشة أسباب التقصير الدراسي لأبنائهم ومن الظواهر السلبية ما يعود للأهل مثل: - الزيارات العائلية والحفلات في فترات الامتحان ومتابعة برامج التلفزيون في الوقت الذي يجب أن يتفرغ فيه الطلبة للدراسة والتركيز. وثمة ظواهر سلبية تعود للهيئة التدريسية مثل التوتر الذي يفرضه بعض المراقبين في أثناء الامتحان بقولهم بقي كذا من الوقت.. سوف نسحب الأوراق بعد كذا... وتقترح المؤلفة إصدار دليل لكل فرع من فروع الجامعة يبين مخطط الدراسة في هذا الفرع وهذا يساعد الطلبة على حسن الاختيار فلا يفاجؤون بأشياء لم تكن في الحسبان. ظواهر أخرى.. واقتراحات فالمؤلفة تتجول في المرافق العامة كالشارع والحديقة والحديقة والشاطئ فترصد الظواهر السلبية وتقترح بعض الحلول: - من تلك الظواهر (حتى الاستهلاك) التي تشجعها الأسواق بطرح عروض جذابة تجعل الناس يسرفون في الشراء بدون سبب وهي ظاهرة غير صحية على الإطلاق. - ومنها أن يترك الأهل أولادهم يعبثون بالمرافق العامة دون نصح أو مراقبة. - ومنها رمي الكثير من الأغذية في صناديق النفايات التي يمكن تحويلها إلى أشياء مفيدة (علف حيواني مثلاً...). - اقتراح تخصيص برنامج تلفزيوني يتواصل مع المرضى في المشافي ويطمئن ذويهم عنهم. - دخول العنصر الوطني النسائي في ملاهي الأطفال في الأيام المخصصة للسيدات وهذا أفضل من العنصر الأجنبي الذي قد لا يجيد التواصل اللغوي والاجتماعي في هذا القطاع الختامي. - تشجيع التبرع بالدم لما له من دور عظيم في الطبّ الإسعافي. ذكريات الزمن الجميل لا تنسى المؤلفة أن تشيد بالدرعيّة، مسقط رأسها.. تلك البلدة الجميلة ذات الدور التاريخي والحضاري المميّز في المملكة (الأمر الذي يجعلها تعيش في قلبي..) وتعود المؤلفة بالذاكرة إلى أيام خوالٍ فتصف لنا أفراح العيد، العيدية، والحوامّة، واجتماع الناس في جلسات شعبية جميلة ترّدد فيها الموروثات الشعبية، وتتحسر على ما آلت إليه الأمور اليوم.. (.. لقد كاد العيد أن يتحول إلى يوم عادي بعد أن كان موسماً للفرح ويوماً متميزاً لتقوية القلوب والنفس..) وتناشد المؤلفة الناس أفراداً ومؤسسات على العمل لإحياء تلك العادات الجميلة لتقوية أواصر المودة والرحمة بين الناس ولا تنسى المؤلفة أيضاً ذكرياتها في الغربة (... في مدينة أنثر بالولايات المتحدة تلك المدينة القابعة بين التلال التي تكسوها الأشجان الجرداء، وقد سقطت أوراقها معلنةً قدوم فصل الشتاء..). ما الذي حدث من الظواهر المهّمة التي ترصدها المؤلفة ذلك التوتر والقلق الذي يجثم على قلوب الناس ويطبع تصرفاتهم اليومية بالألم والمرارة ويجعل كلاً منا (برماً بالحياة متذمراً منها لا يستطيع أن يتحمل حتى لعب أولاده في المنزل..) وإن سألته.. ما الذي حدث؟ يقول لك بكل بساطة: (ذلك لأني شخص عصبي). وفي الحقيقة فإن هذا القلق أحد إفرازات المدينة الحديثة التي جعلت الإنسان (.. يلهث وراء المادة والظاهر البراقة) وبذلك صار مغروراً بقوته وإنجازاته لذا فهو (يسلط لسانه على الآخرين ويأكل حقوقهم..) ونتيجة لسيطرة منطق القوة هذا فإن الإنسان الطيب صار محاصراً ومستهدفاً. وقفة تأمل تتساءل المؤلفة تحت هذا العنوان: هل هذا القلق البريء أم هناك مخرج ما؟ وتقول رداً على السؤال: في حياة كلّ إنسان فرح وحزن، إقبال وإدبار، وشروق وغروب فهو في تقلب كالليل والنهار، فكن أيها الإنسان بلسماً شافياً، ولا تكن جباراً. وخذ من قوتك لضعفك، واجعلْ من الدنيا لحظات فرح تسعد بها القريب والبعيد. وتتابع المؤلفة بنفس الأسلوب الجميل: (إن السعادة ينبوع يتفجر من القلوب القنوعة الراضية وعبثاً يحاول المرء البحث عن السعادة في الجري وراء مظاهر المادة البراقة لأنها لا تلبث أن تنطفئ.. ذلك لأن سر سعادة المرء هي في نفسه التي بين جنبيه...) وهذا يذكرنا بمقولة للشاعر الإنجليزي وليم شكسبير: كلنا يبحث عن السعادة، ولكن السعادة تنبع فقط من داخلنا، بهذه اللفتة الجميلة أريد أن أتوقف عن الحديث، وعلى من أراد المزيد من التفاصيل أن يقرأ الكتاب فهو فعلاً.. يستحق القراءة.
|
|
|
| |
|