| |
وعلامات جدة.. تغرق في قطرات ماء! عبدالفتاح أبو مدين
|
|
* قرأت في هذه الصحيفة بالعدد الصادر بتاريخ يوم الثلاثاء 16-10- 1427هـ في صدرها توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - مد الله في حياته وحفظه وأعزه -: (إن على جميع مسؤولي الدولة والأجهزة الحكومية الالتفات لمناطق المملكة كافة، لأن المواطن كل لا يتجزأ والمواطنون كلهم سواسية في الحقوق والواجبات، وأن التنمية والتطوير والإصلاح هي ممارسة وفعل وإنجاز وأنه لا مجال للتقصير في أداء المسؤولية، في بلد مَنَّ الله عليه بالخير الوفير والإمكانات، وحباه بالمواطنين المتفانين في حب وطنهم والإخلاص له).. كان هذا التوجيه الكريم من ملك رحيم، في جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها بعد ظهر يوم الاثنين في جازان. * والصحافة منذ وقبل هطول المطر على جدة قبل شهر تكتب عن جدة اليوم، وإنه لحديث ذو شجون كما يقال.. وأقرأ للأخ المهندس الدكتور عبدالله بن يحيى بخاري عضو مجلس الشورى مقطعاً في مقالة قبل شهر ونيف، قال فيه: (لا يزال البعض يصر أن يسميها - عروس البحر -.. أتطلع شرقاً فلا أرى سوى شمطاء تتوكأ، وألتفت غرباً فلا أرى سوى بحر يتوارى خجلاً.. ويلنا للتاريخ، ماذا نقول!؟ * و- جدة - التي هام بها الهائمون، لأنها أهل لحب لا حدود له، غير أن حظها من الخدمات إن قلت رديئة فقد يكون ذلك تعبيراً مهذباً.. فمنذ ربع قرن سدت سبل تصريف ماء المطر، قد كان يذهب إلى الصهاريج ما تأتي به السيول، وهذه الصهاريج قديمة في الزمان، تحدث عنها الرحالة الشهير ابن بطوطة قبل ستة قرون، وكانت منتشرة في المنخفضات، في الصحيفة والعمارية والبغدادية والهنداوية، يتجمع فيها ماء السماء ويشرب منه الناس قبل أن يصل إليها ماء العين العزيزية من وادي فاطمة، فحمد أهل بوابة الحرمين الشريفين لصقر الجزيرة الملك عبدالعزيز - رطب الله ثراه - هذا البر والإحسان. * في عهد المهندس الأخ محمد سعيد فارسي أمين مدينة جدة السابق، أغلق كل سبيل لتصريف مياه الأمطار رغم ندرتها، بأرصفة وسدود، ومنذ ذلك العهد - ربع قرن -، أصبحت جدة عروس البحر والعاصمة التجارية والسياحية، تغرق في شبر ماء.. وتتالى على كرسي الأمانة بعده أربعة أمناء، لكن الحال هي الحال، قطرة من ماء السماء، تغرق مدينة شامخة بمالها وعماراتها وسكانها الثلاثة ملايين وأكثر، وكأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس، ولم يسمر بمكة سامر كما قال الشاعر القديم.. قطرات ماء عابرة، تشكل الحركة في جدة، ويبدأ - الشفط، والنزح، والسيارات متوقفة في طرقها لا حراك فيها، والحركة شبه مشلولة.. حال من الركود لا خير فيه، وكأننا في قرية نائية معزولة لا تنعم بنصيبها من الحياة، هذه حالنا وخادم الحرمين يحث ويوصي بالعمل والإنجاز، أما لو كنا في كرب وضيق ذات اليد، فلست أدري، لكن سيردد الناس: الحال يعلم بها الله.. * الأخ خليل إبراهيم قريبي، كتب يقول عن المطر: (ربما أصبح نوعاً من أنواع التعب والإرهاق الذي يعانيه الناس في مدينة جدة العروس التي كانت عروساً في الزمن الجميل، الناس مرهقون في شوارع جدة من كل جانب.. فالماء إلى الركب، وقد غطى الأرصفة وهلكت السيارات لارتفاع منسوب المياه، وانهار بعض الأسفلت، وتوقفت الحركة في الكثير من الطرق والكباري، وتأخر الناس عن أرزاقهم وأعمالهم، وغاب الكثير من الطلاب والطالبات عن مدارسهم.. فكم صبرنا حتى مل الصبر بنا، وكم حلمنا بشوارع ناعمة نظيفة، غير مكسرة تتصرف بداخلها الأمطار سريعاً بدون عناء) إلخ. * أما الأخ علي يحيى الزهراني، فكتب بتاريخ 18 شوال 1427هـ، يقول: (في بلد الثروة والإنفاق الضخم، في بلد حكومته تنفق للبنية التحتية بلا حدود، ومع ذلك عند سقوط المطر تتحول الشوارع إلى طوفان من الماء فسيارات مطمورة وسابحون فوق الأخشاب، إنها صورة مثيرة غريبة تعصف بنا في بلد الشمس والهجير.. المطر يحل علينا ضيفاً في السنة حسنة كما يقولون، وتحل علينا كارثة، ونردد: ثم ماذا بعد؟ وإلى متى!؟ * ولا أدل على ذلك من أن هذه المدينة المشوهة، لم تفضل الأمانة عليها ببرميل (ديزل) يخفف من وطأة جيوش البعوض والذباب، وفي بعض أيام الجمع تبقى القمامة من يوم الخميس إلى يوم السبت، وكذلك حال بعض الشوارع غير الرئيسية وكأن يوم الجمعة صيام حتى عن الحركة بل عن كل شيء.. وتغزو حمى الضنك مجدداً في هذه الأيام، لكن الأمانة لم تهتز لهذا الخطر وكأن الأمر لا يعنيها، وويل لنا ممن لا يكترث بحالنا! * في حديث للأخ عادل فقيه أمين محافظة جدة، نشر يوم السبت 13 شوال 1427هـ، وكان أحد الأسئلة: فما الإنجاز الذي تعتز به أنك قدمته لجدة حتى الآن.. وأقول رغم أنه أمضى عاماً ونصف العام على كرسي الأمانة، غير أنه لم يقدم شيئاً يُحسب له، أما ما يُحاسب عليه فهو كل شيء! * كان الجاحظ يقول في آخر أيام حياته، إنه اصطلحت عليه الأمراض، وجدة أصلح عليها الإهمال، القذارة من بيارات المباني والعمارات، وتراكم الزبالة وأوعيتها مفتحة، لتفرز البعوض والذباب، وحمى الضنك تتجدد في أرجائها بلا وقاية ولا حماية، وشوارعها محفرة بائسة، والصرف الصحي يضخ في البحر لتتلوث أحياؤه، ومع هذه الحال الباذخة، نُعنَى بما نسميه سياحة وتوسعاً في الانفتاح بالحج والعمرة والزيارات، غير أن الواجب تأسيس خدمات متميزة من كل ما يحتاج إليه، ثم فتح الأبواب على مصاريعها للقادمين.. ولن أذهب بعيداً إذا قلت إن الذين في أمانة جدة غير مدركين لهمومها وأوضارها وبؤسها ومعاناتها، وكأن شيئاً لم يكن.. إنها الأمانة المفرط فيها، فأين أهلوها، إذا كانوا قادرين على تحملها والنهوض بها، وويل للمفرط في تبعاتها!؟
|
|
|
| |
|