| |
أضواء أيام في تونس (1) جاسر عبدالعزيز الجاسر
|
|
تحتضن الرياض بيت العرب المضياف ولأسبوع كامل بدءاً من اليوم السبت (الأيام الثقافية التونسية) حيث يستمتع أهل الرياض والمقيمون في هذه المدينة التي تزداد كل يوم تألقاً، بمشاهدة العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التونسية، فبالإضافة إلى معارض الفنون التشكيلية والخط العربي والتراث الإسلامي والكتاب التونسي واللباس التقليدي النسائي، تشهد الأيام الثقافية العديد من الفعاليات كالأمسيات الشعرية والمحاضرات الفكرية والتاريخية والعروض المرئية، إضافة إلى المهرجان الكبير الذي ستقدمه فرقة الفنون الشعبية في ميدان ساحة مركز الملك عبدالعزيز التاريخي يوم الأحد، وفي يوم الاثنين في ميدان ساحة المصمك التاريخي. ويتزامن عقد هذه الأيام الثقافية التونسية مع ما تشهده تونس من حراك ثقافي وسياسي إصلاحي والذي يبلغ أوجه في الشهر الحادي عشر من كل عام حيث يحتفل التونسيون بذكرى التحول الذي تسلم فيه الرئيس زين العابدين بن علي الحكم دون أن تراق نقطة دم واحدة في عملية حضارية لانتقال السلطة، ومن يومها شهدت تونس عمليات إصلاح متواصلة؛ فالإصلاح حالة ديناميكية متطورة في المفهوم السياسي للرئيس التونسي زين العابدين بن علي. ومن هذا المنطلق نجد أن فكرة الإصلاح مجسمة في كامل المسار السياسي لتونس منذ تغير السابع من نوفمبر لسنة 1987م. ولعله من المهم الإشارة إلى جملة المبادئ والقيم التي يقوم عليها الإصلاح السياسي في تونس الحديثة. وقد كان من أبرز مظاهر تلك الإصلاحات أن ألغت الخلافة الآلية والرئاسة مدى الحياة لكي لا يبدو منصب الرئاسة وكأنه فوق الدستور، وهذا ما أعاد السيادة للشعب والالتزام بقيم الجمهورية. ثم تتالت تلك الإصلاحات من خلال التمشي الديمقراطي المتدرج الذي أدى إلى تجسيم التعددية الحزبية والمجتمعية، وإعلاء سيادة القانون وإصلاح القضاء وتدعيم استقلاليته، وضمان حرية الصحافة والتعبير والتمسك بحقوق الإنسان، ودعم دور الأحزاب لكي تلعب دوراً أكبر فأكبر في الحياة العامة، وتعزيز الحريات العامة وقيم الديمقراطية. إلا أن كل تلك المنجزات لم تبن من فراغ، بل كانت مؤسسة على جملة من المبادئ والقيم التي وفرت لها ضمانة التطور والرسوخ. وكان من أبرز تلك المبادئ إعادة بناء الدولة لتكون جهازاً تنتظم كل أعماله في نطاق القواعد والآليات الدستورية، وأن يكون إصلاح الدولة بالاعتماد على قوى المجتمع المدني، حتى تكون دولة التونسيين جميعاً. وانطلق الرئيس بن علي في ذلك من مبدأ رفض هيمنة الدولة على المجتمع، فحولها إلى دولة ديمقراطية من خلال تقنين التعددية وضمان تمثيلية أوسع لكل أطراف المجتمع في إطار السياسة الوفاقية التي أقرها. وهكذا حقق هدفا أبعد بأن جعل الدولة نفسها هي أداة الإصلاح. لهذا نجد أن الإصلاحات السياسية التي تحققت منذ تغيير السابع من نوفمبر كانت متعددة، وأن مضامينها كانت ثرية. فقد تم خلال السنة الأولى من التغيير المصادقة على ما لا يقل عن 140 نصا قانونيا، وإصدار الميثاق الوطني الذي أجمعت عليه مختلف العائلات السياسية والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني، بما أرسى ديمقراطية جديدة كانت تونس في عهد بن علي سباقة لها وهي ديمقراطية الوفاق، فضلا عن إصدار قوانين أخرى في مجالات تنظيم الأحزاب السياسية والقانون الانتخابي والنشاط الجمعياتي والصحافة والإعلام، بالإضافة إلى التشريعات العززة لحقوق الإنسان والمرسخة للمجتمع المدني. وقد شهدت احتفالات هذا العام بذكرى التحول إضافة العديد من التشريعات المعززة لهذا التوجه الذي لمست وتابعت تطوره وتواصله من خلال زياراتي لهذا البلد الجميل الذي عشت من خلال بضعة أيام فرحاً وجدانياً لتفوق دولة عربية شقيقة في تحقيق تزاوج حقيقي وإيجابي بين الأصالة العربية والإسلامية والحداثة الغربية المعاصرة.
jaser@al-jazirah.com.sa |
|
|
| |
|