| |
شيء من الحائط الحدودي محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
|
|
الحائط الخرساني المزمع إنشاؤه على كامل الحدود الشمالية للمملكة، هو في تقديري قرار صائب وملح بكل المقاييس على ضوء المتغيرات والتطورات التي تشهدها المنطقة، بغض النظر عن كلفة إنشائه، ومن ثم كلفة صيانته وحمايته. أعرف أن هذا الحائط الممتد لأكثر من ألف كيلو متر هو - ربما - حل مكلف، سواء من حيث الإنشاء، أو تكاليف الصيانة، غير أن الأوضاع على حدود المملكة الشمالية - كما تقول كل المؤشرات - ستكون على مدى عقد أو أكثر من المستقبل المنظور غاية في الاضطراب، الأمر الذي يجب أن نحتاط له من الآن، ونحصن بلادنا - قدر الإمكان - لمواجهة تداعياته مهما كلفنا هذا الإجراء من تكاليف، سواء على مستوى التأسيس، أو مستوى التشغيل والصيانة والحماية. ومثل هذا الحائط في تقديري، كعامل حماية، يرقى من حيث الأهمية إلى مشاريع البنية التحتية الأمنية الضرورية للبلاد؛ فهو يعتبر مشروعاً أمنياً له أولوية تتقدم على كثير من الأولويات، فسوف يقلل بكل تأكيد - إذا لم يحد - من سهولة تهريب السلاح والمتفجرات و(الإرهابيين)، وكذلك الممنوعات الأخرى، من منطقة من المتوقع أن تكون (مصدراً) للإرهاب والمعدات الإرهابية والإرهابيين خلال العقد الحالي، وربما العقدين القادمين. ودون هذا (الحائط) لن تستطيع أية قوة، أو أدوات رقابية، الحد من (خطورة) أن تكون المملكة امتداداً لما يجري في العراق من إرهاب وانفلات أمني، خصوصاً وقد علمتنا التجارب أن أساطين (الإرهاب) هدفهم وغايتهم وطموحاتهم أن ينقلوا عملياتهم للمملكة بأية طريقة، خصوصاً ولديهم - والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه - طابور خامس (جاهز)، ومنتشر في الداخل، تغذيه (ثقافة) متشددة إلى حد الغلو والتطرف، لم نعرف حتى الآن كيف نجتث جذورها، ونواجه (رموزها)، ونطوق دعاتها، سواء دعاة الإرهاب (المفضوحين)، أو أولئك الذين يساندون هذه الثقافة التدميرية الدموية، دونما وعي وإدراك، من بعض المشايخ والوعاظ وخطباء الجمع السذج، وبالذات محدودي الثقافة والرؤية منهم. كان بيننا وبين بلاد الأفغان، ومعسكرات صناعة الموت هناك، آلاف الكيلو مترات، والبحار، والعوائق الجغرافية. ومع ذلك (ذهلنا) ونحن نرى كل هذه الكميات من معدات القتل، وأدوات صناعة الموت، يكشف عنها رجال الأمن، الخلية بعد الأخرى، بعد أن هربها الجهاديون السلفيون من الأفغان (السعوديين) وأنصارهم من خلال البلدان المجاورة، ممن تربطنا بهم حدود برية، على مدى سنوات، فماذا سيكون الأمر - إذن - وقد دنا (مسرح) الإرهاب، وانتقل من أفغانستان، وأصبح متاخماً لبلادنا، بل يمتد على حدودنا الشمالية؟ وأنا هنا لا أتحدث عن التكلفة، ولا تعنيني أرقامها، إنما أتحدث (تحديداً) عن مدى احتياجنا لإقامة هذا الحائط، الذي أجده من الناحية العملية البحتة وسيلة (تتكامل) مع أسلحة الدفاع والردع التقليدية لحماية البلاد، بل إن بناء هذا الحائط من الناحية (الوقائية) في تقديري أهم؛ فهو باق وفاعل سواء في السلم والحرب، في حين أن التجارب علمتنا أن الأسلحة تتحول مع الزمن إلى (خردوات حديدية)، لابد - دائماً - من تطويرها واستبدالها كلما قدمت، وتطورت صناعة السلاح. والذي يجب أن ندركه، ونعيه جيداً، أن القوات الأمريكية في العراق هي على ما يبدو (على جناح سفر)، ويقترب موعد رحيلها مع إطلالة كل فجر، وكلما تصاعدت عمليات المقاومة، وفي المقابل ارتفعت (المطالبات) من قبل الداخل الأمريكي مطالبة بسحب هذه القوات من الجحيم العراقي، خصوصاً وأن أقطاب الحزب الديمقراطي الذين تحكموا للتو في الكونغرس الأمريكي بمجلسيه، تلح خطابات أغلبهم المعلنة على سحب القوات الأمريكية من العراق، وليس لدي أدنى شك في أن رحيل القوات متعددة الجنسيات من العراق سيخلق هناك وضعاً مشابهاً للحرب الأهلية التي عرفتها أفغانستان غداة انسحاب (السوفيت) من هناك؛ الأمر الذي سيجعل من العراق بعد انسحابهم (مسرحاً) جاهزاً ومثالياً لممارسة الإرهاب، وتدريب صبية (الصحويين) الجهاديين على كيفية تصدير الموت، ليس فقط إلى الدول المحيطة بالعراق، وإنما إلى كل العالم. لذلك كله، فإنني أرى أن بناء هذا الحائط، في ظل المتغيرات التي تعيش فيها المنطقة، وفي ظل احتمال الانسحاب الأمريكي المتوقع من العراق، يأتي على رأس الأولويات، خاصة وأن المملكة لديها الآن وفرة في مداخيلها النفطية تمكنها مالياً من تمويل هذا المشروع الكبير والملح من حيث الأهمية الأمنية.
|
|
|
| |
|