| |
طبيعة المحتل الإجرامية
|
|
الحكم الذي صدر في حقِّ الجندي الأمريكي جيمس باركر، الذي اغتصب فتاة عراقية تبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، وقتلها وأحرق جثتها، وقبل ذلك قتل أُسرتها، يؤكد مسألة مهمة، وهو أنّ الاحتلال على مدار التاريخ إنّما هو ذو طبيعة إجرامية، بغضِّ النظر عن مسوّغات هذا الاحتلال، لأنّ الحكم أولاً قضى بسجن الجندي، وليس بإعدامه، الأمر الثاني أنّه جاء في آخر الحكم إمكانية العفو عنه. وليس من المفهوم كيف يمكن العفو عن مجرم في زي جندي، فعل هذه الفعلة بحقِّ أبرياء عزَّل. وبالتالي فكأنّ هذا الحكم يعطي ضوءاً أخضر للجنود الأمريكيين الآخرين بالمضي قُدُماً في ارتكاب الجرائم، وانتهاك الحرمات، وتعذيب السجناء، طالما أنّ هناك حكومة احتلال تتغاضى عنهم، بل وتحميهم، وتوفِّر لهم الدعم أيضاً. ولو تمّت المقارنة بين هذا الحكم والحكم الذي صدر في حقِّ المواطن السعودي حميدان التركي المسجون في أمريكا، لخرج المقارِن بنتائج تثبت التناقضات الأمريكية. فقضية التركي تخلّلتها شبهات قانونية عدّة، وشكوك حول صدقية التُّهم الموجّهة ضد التركي، ومع ذلك، لم تنظر المحكمة فيها، واستعجلت في حكمها بشهادة المحامين والمراقبين المحايدين، وقضت على التركي بالسجن مدى الحياة، ثم ثبّت هذا الحكم في محكمة الاستئناف، ليغلق الباب أمام مراجعة الحكم وإعادة النظر فيه. وعلى ما سبق، يحقُّ للمتابع أن يتساءل عن سبب الاختلاف في محاكمة المتهمين، فعلى الرغم من أنّ الجندي الأمريكي المجرم قد أقرّ بارتكاب جريمة القتل والاغتصاب والتآمر للقتل والاغتصاب، وعرقلة العدالة وانتهاك النظام العام، والتخريب عن طريق الحرق واقتحام منزل، فإنّ باب العفو قد فُتح له .. هذا عدا الجندي الآخر الذي شارك باركر في الجريمة، وطُرد من الجيش بسبب ما زعم من أنّه مضطرب الشخصية، كتمهيد محتمل للتخفيف عنه في حال محاكمته، وفي قضية أخرى حُكم على أحد عناصر المارينز بالسجن لمدة 21 شهراً بعد اعترافه بالاتهامات الموجّهة إليه بقتل مدني عراقي. مع أنّها تظلُّ جريمة قتل وهذا المدني لم يكن إرهابياً، أو مجرماً يستحق الإعدام. من هذه الأمثلة وغيرها يتأكد للمتابع أنّ الاحتلال لا يأتي بخير، ولا يمكن أن ينتظر منه أحكاماً عادلة، أو صرامة مع جنوده المجرمين، حتى لو ظلَّ ينادي بالقيم الأخلاقية العالية عبر المنابر، فالعبرة بما يجري على الأرض.
|
|
|
| |
|