| |
نقاط فوق الحروف في ظل الانفتاح.. وقفة مع الأسرة المسلمة د. غازي بن غزاي المطيري(*)
|
|
يصعب على المسلم المعاصر أن يعيش في ظل هذا الانفتاح العالمي في عزلة عن عالمه، كما لا ينبغي له الهروب من واقعه إلى المجهول. إن هذا الواقع يفرض عليه اتخاذ المواقف السليمة، ذات المبادرات الفاعلة التي تمتزج بمسيرة الحياة الواقعية، وتُصلح من اعوجاجها، وتهذب مسيرتها. ومن معجزات الإسلام التربوية أنه يمنح المسلم في ظل الظروف المأساوية، والأحوال المزرية، ببرهان البصيرة ودليل السلامة بالمشاركة الحكيمة في التوجيه والبناء، والسعي الصادق لتغيير واقع الحال على ضوء قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وظهور علامات الإعياء ودلالات الداء ينبغي أن تكون دافعاً نحو مزيد من المراجعة والمحاسبة، ولا يجوز بحال أن تدفعنا إلى الاستسلام لليأس، والركون إلى السلبية والقنوط. وإذا كانت بعض الأسر المسلمة غدت بعيدة في سلوكياتها وأنماط حياتها عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هذا لا يعني البتة إعفاءها من مسؤوليتها، والاعتذار لها عن تقصيرها بقدر ما هو تذكير لها بواجباتها الشرعية، ومسؤولياتها التربوية التي نشعر بآثار تفريطها فيها، أكثر من غيرها، ولا يجدي النوح على الماضي أو الإفراط في جلد الذات، بل نتطلع جميعاً إلى اتخاذ قرارات فردية شجاعة وبناءة نحو مزيد من الإصلاح والتغيير الإيجابي. والأسرة المسلمة - أكثر من أي وقت مضى - عليها أن تختار بين الذوبان في معمعة العولمة أو الاستلاب الفكري والحضاري، ومن ثم فقدان كل مقومات العزة والكرامة أو العودة إلى أهداب الأخلاق المسلمة والتشبث بأسباب الاستقامة، والاعتزاز بتراثها وتاريخها، والاقتباس من معطيات العصر بانتقائية ونضج وفاعلية، ولا يتحقق ذلك مطلقاً إلا بمعرفة هذا الدين القويم، والفقه الرشيد لمبادئه وآدابه التي تجمعها وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن مشكلة بعض الأسر المسلمة في عالمنا اليوم، أنها تنظر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنه أمر غامض ودخيل على منظومة الحياة، وأحسنها حالاً من يظن أنه خاص بطبقة ذات مسوح دينية معينة، وأخطرها حالاً وفعالاً من يعدها تدخلاً سافراً في حياة الأفراد، واعتداء صارخاً على خصوصيته، وذلك كله مجانب للصواب، فواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غايته مساعدة المسلم، والنهوض به، للخروج من براثن الفساد والانحراف، والانعتاق من آثاره السلبية، والمحافظة على الهوية الإسلامية الأصيلة في ظل هذا التدافع المحموم بصفته أحد الضمانات الأساسية لبناء حياة إسلامية، تتسم بالكمال المطلق، والتفاعل المثمر.
(*) عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
|
|
|
| |
|