| |
نوافذ أميمة الخميس
|
|
في فترة من الفترات سيطر على الإنتاج الدرامي العربي - ولا سيما ذلك الموجَّه للخليج - موجة عارمة من المسلسلات البدوية التي تعكس حياة أهل البادية وبطولاتهم وأشعارهم، وكان مصدر رواج تلك المسلسلات كونها تقدم تعويضاً على تلاشي واختفاء الثقافة الشفوية التي كانت الإناء الذي يحوي الفلكلور الشعبي والحاجة الفطرية للدراما داخل إنسان الصحراء، وكان الجمهور المتابع في الخليج يتابع تلك المسلسلات بشغف لأنها كانت تستجيب وتشبع الحنين و(النستولجيا) بداخلهم للأيام الأولى سواء في البادية أم في القرية، قبل أن تحاصرهم المدينة وشروطها. تلك المسلسلات ذات الجماهيرية الواسعة والتي ظلت مسيطرة على الإنتاج الدرامي حتى تحولت إلى ظاهرة، كانت في معظمها ضعيفة على جميع المستويات الدرامية وتنويعات على مسلسل (وضحى وبن عجلان) الذي لاقى نجاحاً جماهيرياً في البداية وأشرع البوابة لتلك الظاهرة فغالبيتها كانت تقدم نوعاً من الدراما الفاقعة الساذجة، التي يكون فيها الأبيض شديد البياض والأسود غامقاً للغاية، بشكل تنتفي فيه جميع مواصفات الحبكة الدرامية العميقة والواعية والمتماشية مع الحراك العصري الذي طال صناعة الدراما عالمياً، وكانت تنقل بشكل شبه حرفي ما هو موجود من قصص وأساطير في القصص الشعبي، دون أن تصاحب هذا النقل معالجة درامية قوية ومقنعة باستطاعتها أن تكون تراكماً فنياً قوياً ومتيناً في هذا المجال، ولكن بما أن الموجة في حد ذاتها كانت ذات أهداف تجارية بحتة بالتالي كانت تحرص على كثافة الإنتاج على حساب الكيف تلك الموجة انحسرت الآن وتلاشت دون أن تترك بصماتها على الصناعة الدرامية. والآن كأننا نجد ملامح موجة درامية أخرى في طريقها إلينا تحمل نفس خصائص الموجة الأولى ولكن هذه المرة تمتطي سوق الحرب على الإرهاب وتجعل منه هدفاً وسبيلاً، فالمجتمعات العربية ولا سيما الخليجية منها، لها العديد من الاشكاليات الاجتماعية مع موجات التعصب والإرهاب الظلامي، ولذا يصبح تسويق هذا النوع من المسلسلات لها يسيراً من خلال استغلال الظرف الاجتماعي هناك على حساب الدراما والفن رفيع المستوى. وما نشاهده الآن، ولن أقول نتابعه (فهي مسلسلات لا تستحق حتى المتابعة) عدا من لقطات خاطفة، تشير إلى أن هناك من يستغل التوجه الإعلامي العام داخل المجتمعات نحو التوعية فيما يخص التيارات المتشددة، ليراكم محفظته بالدولارات، ثمناً لحلقات مطوية وفجة على حساب الذوق العام، وعلى حساب الصياغة الدرامية المتينة والعميقة. هل تندرج هذه الفجاجة والقصور ضمن مشهد صناعة درامية قاصرة في العالم العربي؟ وإعلام عاجز عن فهم اللعبة الإعلامية، وتأسيس صناعة إعلامية عميقة ومبتكرة، الذهنية العربية كانت دوماً مسرحاً ومرتعاً للتجارب المسلوقة والمرتجلة، الحبكة مفككة والحوار سطحي ومليء بالشعارات المقصقصة من صفحات الجرائد في المواجهات التي تقوم بين الصحويين وأعدائهم، الهشاشة تتبدى في كل شيء وصولاً إلى الزي والأردية، حتى اللحى الملصقة على وجوه الممثلين تفتقد المهنية فتبدو كأنها فوق وجوه ممثلين على مسرح مدرسي في قرية. استعدوا أيها المشاهدون فهناك موجة جديدة من الإنتاج الدرامي الساذج الذي يشبه لعبة عسكر وحرامية في طريقه إليكم.
|
|
|
| |
|