| |
كيف نتعامل مع الإشاعة في عالم الأعمال د. صالح بن سليمان الرشيد
|
|
الإشاعة كما يعرفها المتخصصون هي الأحاديث والأقوال والأخبار والقصص التي يتناقلها الناس دون التحقق من صحتها أو التثبت من حدوثها. وبهذا المعنى فإن الإشاعة قد تكون صحيحة أو خاطئة، والمشكلة تحدث عندما تكون الإشاعة غير صحيحة في هذه الحالة يترتب على الإشاعة تأثيرات سلبية وخيمة على الأفراد وعلى المؤسسات وعلى المجتمع أيضاً. وفي هذا العصر ساعد التطور التكنولوجي وتقدم وسائل الاتصال في كثرة الشائعات وتناثرها في كل اتجاه، والدليل على ذلك انتشار ما يسمى بالشائعة الإلكترونية التي تنطلق بسهولة وبدون تكلفة عبر شبكة الإنترنت وكذلك عبر الهواتف المحمولة، وأصبح الأمر في منتهى السهولة بكتابة رسالة تروج لموضوع ما وبثها في ثوانٍ معدودة لعدد كبير من الناس في مناطق متفرقة على المستوى المحلي وعلى المستوى العالمي أيضاً. وفي عالم الأعمال وجدت الشائعات أرضاً خصبة للنمو والانتشار، وللأسف الشديد فقد استغل بعض الأفراد وبعض المؤسسات تلك الفرصة لتصفية حساباتهم مع منافسيهم وأعدائهم وفي تحقيق انتصارات زائفة وغير أخلاقية وفي تحقيق مصالح شخصية عجزوا عن تحقيقها بالطرق الشرعية، ولعل ما يحدث في سوق المال والبورصات أكبر دليل على ذلك، ولعلنا تابعنا أيضا أحدث الشائعات التي كادت أن تعصف بإحدى الشركات العريقة العاملة في مجال تجارة المواد الغذائية والتي أشيع عنها تمويل أحد البرامج التليفزيونية التي أثارت مشاعر الكثير من الناس في الآونة الأخيرة. بالفعل أصبح من الضروري أن تتبنى الشركات والمؤسسات منهجاً علمياً وفعالاً في التعامل مع تلك الظاهرة، فتجاهل هذه الظاهرة وعدم الاستعداد الجيد لمواجهتها يهدد بشكل مباشر أهداف وطموحات المؤسسات في التوسع والتطور بل وقد يتسبب لها في أزمات تنتهي بخروجها من الأسواق التي تستهدفها. هذا المنهج يرتكز على عدة محاور، المحور الأول يتعلق بوجود آلية لرصد الشائعات من خلال الاعتماد على مصادر معلومات متعددة بحيث يتم وأد الشائعات في مهدها، هذه المصادر تتمثل في وسائل الإعلام وشش الإنترنت والمخابرات التسويقية، وهنا يتم تجميع كافة الحقائق المتعلقة بالشائعة من حيث مصدر انطلاقها ومدى خطورتها وأهداف مروجيها واستقبال الناس لها، ومن ثم تحصل الإدارة على تقارير سريعة وفورية بشأن انتشار أي إشاعة تضر بمصالح الشركة أو المؤسسة، وهذا يعطي فرصة التحرك السريع لاحتواء تلك الشائعة ومنع انتشارها. المحور الثاني يتعلق بمواجهة الشائعات التي انتشرت بالفعل وأصبحت حديث الناس، وهنا يتم تحديد آلية واضحة للتحرك والاتصال بالرأي العام بشكل مباشر أو من خلال وسائل الإعلام، وهنا يكون الهدف هو تصحيح الاتجاهات وتوضيح الحقائق للناس أو العملاء وبناء الأدلة والبراهين التي تؤكد عدم صحة الإشاعة وأيضاً الأغراض السيئة لمروجيها، المحور الثالث يرتكز على بناء آلية تستهدف تحويل التهديد الذي ينتج عن الإشاعة إلى فرصة لتحقيق النجاح وتدعيم التواصل مع الفئات التي تؤثر بشكل مباشر في مصالح الشركة وأهدافها، وهنا سيصبح من الضروري التصرف بحنكة في عكس الاتجاه الذي تروج له الإشاعة بما يؤكد تماماً عدم مصداقيتها. يجب أن تدرك جميع المؤسسات العاملة في بيئة الأعمال العربية وهي بيئة ثرية دائماً بالشائعات أن الإشاعة مصدر أساسي لحدوث أزمات تسويقية خطيرة للغاية، ويكفي أن نعرف أن الشركات العالمية لديها متخصصون في مجال إدارة الأزمات والشائعات، ليس هذا فقط بل إنه وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد هناك ما يطلقون عليه (عيادة الشائعات) التي يتم فيها تشخيص الإشاعة وتحديد مصدرها وتأثيراتها وكيفية علاجها. الأمر الآخر الذي يجب أن نشير إليه في هذا المقام هو أهمية توعية الناس بعدم تصديق كل رواية يسمعونها دون التحقق منها تصديقاً بقول الخالق عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وفي عالم الأعمال يجب أن ندرك أننا عندما نصدق الشائعات غير الصادقة ونتجاوب معها فإننا بهذا قد نتسبب بشكل مباشر في ضرر الآخرين بل وفي قطع أرزاقهم، وكلمة أخيرة لمحترفي ترويج الشائعات نرجوكم أن تغيروا منهجكم في الحياة، ونرجوكم أن تجتهدوا في البحث عن وسائل مشروعة لتحقيق المكاسب وما أكثر هذه الوسائل، وليتذكر كل منكم أنه (كما تدين تدان) وربما يعود السهم الذي تطلقونه إلى صدروكم ويضربكم في مقتل.
* أستاذ إدارة الأعمال والتسويق المشارك
ssalrasheed@hotmail.com |
|
|
| |
|