| |
الاحتكام إلى الشارع أحمد عبدالعزيز أبا الخيل (*)
|
|
الاحتكام إلى الشارع والقوة أمر مخيف، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الدول. وأذكر أني كنت أمتلئ رعباً، إذا ما طلب مني زميل ضخم في المدرسة الاحتكام إلى الشارع، قائلاً: (واعدني برا في الشارع). والأمر سيان على مستوى الدولة. وفي كثير من الدول يلوح هذا المبدأ العنيف بقبضته. فما يجري في لبنان على سبيل المثال إنما هي حالة تجسد هذه المخاوف، فإما حل الخلافات داخل المؤسسات السياسية أو اللجوء إلى الخيار الثاني، وهو الاحتكام إلى الشارع. وهذا المصطلح ليس من بنيات أفكاري، بل هي اللغة السائدة في لبنان اليوم. وما جلسات التشاور بين الفرقاء اللبنانيين أو بين من يسمون بقوى 14 آذار والمعارضة والتي بدأت الاثنين الماضي إلا محاولة لعدم اللجوء إلى الشارع. وجزى الله خيراً نبيه بري رئيس مجلس النواب، الذي دعا إلى التشاور بين المتنافرين لتحقيق الألفة والاتفاق، وقد سماها بالعيدية. وهي حقاً عيدية على الرغم من تقليل بعض السياسيين من شأنها، حتى إن بعضهم استبق الأحداث وقال: لقد تمخض الجبل فولد فأرا. وفي الوضع الداخلي الفلسطيني، فما أسرع الفلسطينيين إلى النزول إلى الشارع والاحتكام إليه وإلى أرصفته وحفره ومطباته، بل إن ذلك يأتي مصحوباً بالدماء، وكأن الدماء التي يريقها الإسرائيليون لا تكفي، حتى تأتي الطعنة من الأخ، مما يدفع المشفق إلى القول عند سماع كل (طخ).. (أخخخخ )، وبأعلى الصوت لعل عاقلاً يسمع. إن الاحتكام إلى الشارع في غاية الخطورة، وقد يرمي الدولة إلى الهاوية، وقد يمزقها، ويدخلها في حرب أهلية طويلة، كما هي الحال في الصومال المطحونة منذ بداية التسعينيات. بل إن هذه المبدأ.. قد يسبب حرباً عالمية، وهل الحرب العالمية الأولى والثانية إلا احتكام إلى الشارع.. أي إلى لغة القوة والسلاح؟. ولذلك فإن وضع القوانين، أيا كان شكلها، سواء كانت دساتير أو أنظمة حكم، وكذلك إنشاء المؤسسات السياسية، ما هي إلا طرق لاستيعاب الخلافات بين الناس والتي هي من سنن الله في الكون. فالاختلاف ليس جريمة، وليس شيئاً غريبا، ولكن الجريمة عندما يتحول هذا الاختلاف إلى عداء ينتهي إلى القتال، وفي القتال يضيع الحق، وتنقلب الموازين.
(*)a-khail@hotmail.com |
|
|
| |
|